الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تجوز الوصية بأكثر من ثلث التركة

السؤال

أنا رجل صاحب مال، ولي أولاد قمت بتربيتهم، وهم في أحسن حال، وفي مراكز مرموقة في بلدي، ولكنني أمضيت عمري كله في المعاصي، والآن أنا محال للتقاعد، وأريد أن أوصي بتوزيع تركتي بالكامل بكل ما فيها من عقارات، وأموال سائلة، وودائع، ومدخرات، إلى الجمعيات الشرعية، لتوزيعها على المحتاجين، أملاً في أن يغفر الله لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، دون إعطاء ورثتي أي شيء من مالي. فما حكم الشرع في حرمان أولادي وزوجتي من الميراث، حيث إنهم يعيشون حياة طيبة، وأخشى عليهم من فتنة المال من بعدي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يصح لك أخي السائل أن توصي بأكثر من ثلث تركتك بعد موتك ـ فضلا عن كل التركة ـ حتى وإن كان ورثتك أغنياء، لما ثبت في الصحيحين أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أراد أن يوصي بشطر ماله فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: ... الثلث والثلث كثير أو كبير ...

وإن أوصيت بأكثر من الثلث فإن الوصية تمضي في الثلث فقط، ولا تمضي بما يزيد عن الثلث إلا إذا رضي الورثة بذلك، وكانوا بالغين رشداء.

قال ابن قدامة في المغني: وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة، وما زاد على الثلث يقف على إجازتهم، فإن أجازوه جاز، وإن ردوه بطل في قول جميع العلماء. والأصل في ذلك، قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال أوصي بمالي كله، قال: لا، قال: فبالثلثين؟ قال: لا، قال: فبالنصف؟ قال: لا، قال: فبالثلث، قال: الثلث والثلث كثير؟ قال: وقوله عليه السلام إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند مماتكم. يدل على أنه لا شيء له في الزائد عليه ..... انتهى.

والوصية بأكثر من الثلث يعتبر أمرا محرما لأنه من الإضرار في الوصية كما بيناه في الفتوى رقم: 66519.

ومغفرة الذنوب لا تكون بحرمان الورثة من الميراث، وإذا أردت أن يغفر الله لك فعليك بتحقيق التوبة بشروطها، وهي الندم على الذنب، وتركه فورا، والعزم على عدم العودة، وإن كان الذنب يتعلق بحق آدمي فرد الحق إليه أو استسمحه، فإذا فعلت ذلك فأبشر برحمة الله ومغفرته، وقد قال سبحانه وتعالى في حق التائبين: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:53}. وانظر للفائدة الفتوى رقم: 19503.

وعليك أن تعلم أن هذا المال مالك اليوم، وغدا مال وارث، فقدم منه بين يديك، أنفق منه وأنت حي، ابن المساجد واحفر الآبار، وأطعم الجياع، قدمه أمامك قبل أن تتركه وراءك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني