الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المجاورة في الحرمين الشريفين .. نظرة احتياطية

السؤال

هل يجوز السفر بقصد الهجرة فرارا بالدين ومن أجل العمل بالمدينة النبوية بدون موافقة الأب؟ وإن تم السفر هل هذا من العقوق حيث في البلاد كثر الفساد والعمل قليل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فيختلف الحكم في ذلك بحسب الحال, فإن كانت هذه المرأة السائلة ذات زوج فواجب محتم عليها أن تنتقل مع زوجها إذا أراد منها النقلة ولا عبرة بكلام أبيها ولا باعتراضه عليها في ذلك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: المرأة إذا تزوجت، كان زوجها أملك بها من أبويها ، وطاعة زوجها عليها أوجب. انتهى.

أما إذا لم تكن ذات زوج فلا يجوز لها السفر أصلا إلا مع محرم لها لأن سفر المرأة دون محرم لا يجوز كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 3420.

وأيضا فإن كانت هذه المرأة فقيرة فإن نفقتها في حال عدم الزوج تكون واجبة على أبيها, وعلى ذلك فإن كفاها أبوها مؤنة الإنفاق فلا يجوز لها السفر بل عليها القرار في بلدها طاعة له, لأن طاعته في ذلك واجبة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا. انتهى.

وما تخشاه من الفتنة والشر فعليها أن تستعين عليه بالله ثم بالقرار في بيتها فإن اعتزال الناس وملازمة البيوت من أعظم أسباب النجاة من الفتن , وقد جاء في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم. صححه الألباني.

جاء في عون المعبود في معنى هذا الحديث: أي الزموا بيوتكم، ومنه حديث أبي بكر رضي الله عنه: كن حلس بيتك. انتهى.

وجاء في شرح صحيح البخارى لابن بطال عند شرحه لبعض الأحاديث قال:.......وفيه فضل العزلة والانفراد عن الناس، والفرار عنهم ولا سيما في زمن الفتن وفساد الناس ، وإنما جاءت الأحاديث بذكر الشعاب والجبال ؛ لأنها في الأغلب مواضع الخلسة والانفراد ، فكل موضع يبعد عن الناس ، فهو داخل في هذا المعنى كالمساجد والبيوت ، وقد قال عقبة بن عامر : ما النجاة يا رسول الله ؟ قال : أمسك عليك لسانك ، وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك. انتهى.

أما إذا امتنع أبوها من الإنفاق عليها أو كان فقيرا بحيث لا يقدر على الإنفاق واضطررت للعمل فلا حرج عليها في ذلك، ولكن عليها أن تبحث عن عمل في بلدها ولا تغادر موطنها طاعة لأبيها في عدم السفر , وقد سبق أن بينا ضوابط عمل المرأة في الفتاوى التالية أرقامها: 522, 7550, 8360.

مع التنبيه على أنه قد ذهب بعض أهل العلم إلى كراهة المجاورة في الحرمين الشريفين -مكة والمدينة- وذلك خوفا من التقصير في حرمتهما، والتبرم واعتياد المكان والأنس به، وذلك يجر إلى قلة المهابة والتعظيم ، وخوفا من ركوب الخطايا والذنوب بهما، وذلك محظور لأن المعصية في الحرمين ليست كالمعصية في غيرهما من الأماكن , وقد سئل ابن عباس عن مقامه بغير مكة؟ فقال : ما لي ولبلد تضاعف فيه السيئات كما تضاعف الحسنات.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ....فذهب بعض الفقهاء ومنهم أبو حنيفة إلى أن المجاورة بمكة المكرمة والمدينة المنورة مكروهة. انتهى.

قال ابن عابدين: وبقول أبي حنيفة قال الخائفون المحتاطون من العلماء كما في الإحياء قال: ولا يظن أن كراهة القيام تناقض فضل البقعة ، لأن هذه الكراهة علتها ضعف الخلق وقصورهم عن القيام بحق الموضع ، قال في الفتح : وعلى هذا فيجب كون الجوار في المدينة المشرفة كذلك يعني مكروها عنده ، فإن تضاعف السيئات - أو تعاظمها إن فقد فيها - فمخافة السآمة وقلة الأدب المفضي إلى الإخلال بوجوب التوقير والإجلال قائم ، قال بعضهم : وهو وجيه فينبغي أن لا يقيد بالوثوق -الوثوق من مداومة الطاعة وترك المعاصي- اعتبارا للغالب من حال الناس لا سيما أهل هذا الزمان. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني