الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقوال أهل العلم فيمن وقع على بهيمة

السؤال

ما هو الحكم في من عاشر بهيمة وهو لا يعرف الحكم؟ وإن صح أن يقتل وتقتل البهيمة. فما ذنب البهيمة؟ وهل كل المذاهب مجتمعة على رأي واحد أفيدونا أفادكم الله؟ وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإتيان البهيمة من كبائر الذنوب كما تقدم بيان ذلك في الفتوى رقم: 98615.

ومثل هذا الفعل لا يخفى قبحه على ذي عقل سليم، فإذا كان تحريم الزنا بالآدمي معدودا مما هو معلوم من الدين ضرورة، فكيف يتصور جهل حكم إتيان البهيمة. ثم الأصل أنه لا يحل للمكلف أن يعمل عملا حتى يعلم حكم الله فيه. وبالتالي فليس من العذر أن يدعى هذا عدم معرفة الحكم.

وفي خصوص ما ذكرته من قتل الفاعل والبهيمة، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني والأرناؤوط.

وفي رواية الترمذي وأبي داود: فقيل لابن عباس: ما شأن البهيمة؟ قال ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا، ولكن أرى رسول الله كره أن يؤكل من لحمها أو ينتفع بها وقد عمل بها ذلك العمل.

وفي تحفة الأحوذي: قيل:َ لِئَلَّا يَتَوَلَّدَ مِنْهَا حَيَوَانٌ عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ ، وَقِيلَ: كَرَاهَةَ أَنْ يَلْحَقَ صَاحِبُهَا الْخِزْيُ فِي الدُّنْيَا لِإِبْقَائِهَا.

وقد اختلف العلماء في العمل بهذا الحديث؛ لاختلافهم في صحته، ولمعارضته لأثر ابن عباس رضي الله عنهما: من أتى بهيمة فلا حد عليه. رواه الترمذي. وقال: وهذا أصح من الحديث الأول والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول أحمد وإسحق.

فلذلك ذهب جمهور العلماء إلى العمل بأثر ابن عباس مطلقا ترجيحا له على الحديث الأول، وذهب بعضهم إلى العمل بالحديث الأول مطلقا لصحته عنده، ومنهم من عمل به في البهيمة دون الفاعل نظرا لما فيه من ضعف، وعظم حرمة الآدمي.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما نصه: ذهب جماهير الفقهاء إلى أنه لا حد على من أتى بهيمة لكنه يعزر؛ لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : من أتى بهيمة فلا حد عليه . ومثل هذا لا يقوله إلا عن توقيف، ولأن الطبع السليم يأباه، فلم يحتج إلى زجر بحد. وعند الشافعية قول : إنه يحد حد الزنى وهو رواية عن أحمد. وعند الشافعية قول آخر : بأنه يقتل مطلقا محصنا كان أو غير محصن.

ومذهب جمهور الفقهاء- الحنفية والمالكية والشافعية- أنه لا تقتل البهيمة، وإذا قتلت فإنها يجوز أكلها من غير كراهة إن كانت مما يؤكل عند المالكية والشافعية، ومنع أبو يوسف ومحمد أكلها . وقالا : تذبح وتحرق. وأجازه أبو حنيفة، وقد صرح الحنفية بكراهة الانتفاع بها حية وميتة .

وذهب الحنابلة إلى أن البهيمة تقتل سواء كانت مملوكة له أو لغيره . وسواء كانت مأكولة أو غير مأكولة . وهذا قول عند الشافعية، لما روى ابن عباس مرفوعا قال: من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة. وعند الشافعية قول آخر : إنها تذبح إن كانت مأكولة، وصرحوا بحرمة أكلها إن كانت من جنس ما يؤكل. اهـ بتصرف

مما ذكر يتبين لك أن جمهور أهل العلم على نفي الحد وعدم قتل البهيمة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني