الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العمل قصد الرغبة في تيسير أمور الدنيا والآخرة لا ينافي الإخلاص

السؤال

عندي سؤال أتمنى إفادتي به لأنه مسبب لي حيرة وارتباكاً.. أنا والحمد لله ملتزمة بصلواتي المفروضة وأصوم وأزكي وأخاف ربي.. مع العلم إني لست متدينة لكني والحمد لله أؤدي العبادات المفروضة وأقول الأذكار الصباحية تقريبا كل يوم.. وكل ما احتجت شيئاً من أمور الدنيا أدعو ربي إيمانا مني بأنه سبحانه وتعالى يحب أن يسمع دعاء عبيده، وأنه سميع مجيب حتى لو تأخر في الإجابة.. ولكن ماهي المشكلة.. أنا مثل معظم الناس.. أحيانا أغفل عن ذكر الله ولي بعض الذنوب، وأحاول دائما أن أستغفر، ولكن أحيانا عندما يهّم بي أمر أو أن أكون في مأزق، أو بحاجة إلى أمور دنيوية كالزيادة في الرزق أو الزواج من رجل مناسب أو النجاح وغيره.. فإني أكثر من الاستغفار تطبيقا لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): من لزم الاستغفار يجعل الله له ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب. فأستغفر بكثرة وبحرقة... ولكن قرأت في أحد مواقع الإنترنت أن أي عمل تعبدي يجب أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى ولطلب الآخرة، وإلاّ سيكون نوعا من الشرك الأصغر، أو بمعنى إذا كان الإخلاص وسيلة للحصول على شيء دنيوي فإنه يعتبر نقصا في الإيمان (وشركا أصغر).. وأنا لا أريد أن أكون ناقصة إيمان بل أريد أن يرضى الله عني في الدنيا والآخرة، ولكن من الطبيعي أن يبتغي الإنسان بعض الحاجات من الدنيا ولذلك وجد الدعاء.. ولكن الذي يحيرني الآن هو أني أشعر بشيء من التناقض بين حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن الاستغفار وبين ما ذكر أعلاه.. أنا أعلم أن المقصود هو يجب أن يتعّبد المؤمن وهو خالص النية لوجه الله وللأجر وليس أن يعتبره وسيلة فقط للحصول على الأمور الدنيوية، وهذا ما أقوم به ولله الحمد.. ولكني الآن واقعة في مشكلة وهي أني كلما أستغفر تطبيقا للحديث أعلاه أشعر كأني منافقة وخصوصا إذا كنت محتاجة شيئا من ربي كالزواج أو النجاح في حياتي أو الخروج من مشكلة.. فأرجو حل هذا اللبس؟ ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب نريد أولاً أن ننبهك إلى الخطأ في قولك (لست متدينة) فمن جهة يجب على المسلم أن يكون متديناً أي قائماً بالواجبات مجتنباً للمحرمات كما أمره خالقه، ومن جهة أخرى فإن هذه العبارة متناقضة مع ما ذكرته من حرصك على أن يرضى الله عنك في الدنيا والآخرة.. ومما لا شك فيه أنه يجب على المسلم أن يقصد بأعماله الصالحة ابتغاء وجه الله والإخلاص له فيها سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ {الزمر:11}، وقال أيضاً: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ {البينة:6}، وثبت في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.

وعليه، فإذا قام المسلم بالذكر المعين وليس له غرض إلا أن يحصل ما تضمنه ما ترتب عليه من حظ دنيوي فإن ذلك ينافي الإخلاص، وأما إن قصده تبعاً لأدائه الذكر لله تعالى فلا حرج في ذلك، قال ملا علي القاري في شرحه على مشكاة المصابيح أثناء شرحه لبعض الأحاديث: وفي هذه الأحاديث إشارة إلى أن العمل لله مع رجاء الثواب الذي رتبه على ذلك العمل وطلب حصوله لا ينافي الإخلاص والكمال، وإن نافى الأكمل وهو العمل ابتغاء وجه الله تعالى لا لغرض ولا لعوض. انتهى.

وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ في شرحه للأربعين النووية عند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. قال: وهذا من الثواب الذي جُعل في الدنيا والآخرة، فلا بأس من أن يقصده المسلم في أن ييسر على إخوانه رغبة فيما عند الله -جل وعلا- ورغبة في أن ييسر عليه في الدنيا والآخرة، لأن هذا كما ذكرنا في شرح حديث: إنما الأعمال بالنيات. لا ينافي الإخلاص. فإن العمل إذا رتب عليه الثواب في الدنيا أو في الدنيا والآخرة وجاءت الشريعة بذلك فإن قصده مع ابتغاء وجه الله جل وعلا والإخلاص له لا حرج فيه. انتهى.. فنرجو بهذا البيان أن يكون قد اتضح لك الأمر وزال عنك الإشكال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني