الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أنا كما ذكرت سابقا موسوس و من أسباب ذلك انتشار الجهل عندنا إذ أنني تعلمت أحكاما عديدة من قراءة الكتب حتى صرت أشك في أنني إذا فعلت كذا ستبطل صلاتي مثال- للأسف قد تفوتني صلاة الفجر فعوضا أن أندم أشك هل يجبعلي غسل أذني من بول الشيطان تأتيني بعض الوساوس في العقيدة- مرة تساءلت هل يمكن أن يكون للإنسان رب آخر بمعنى مالك وليس خالقا لقول سيدنا يوسف عن سيده: إنه ربي أحسن مثواي`ولم أجد إجابة -فهل هذا كفر؟مرة أخرى تساءلت هل كفر العلماء من قال بخلق القرآن لأنه فعلا غير مخلوق أم لأن ذلك كلام بغير علم ولم أجد إجابة فهل هذا كفر علما بأني أعلم أن القرآن كلام الله ؟-؟ هل يلزمني أن أسأل في كل مرة شيخا للإجابة عن هذه الأسئلة الكثيرة التي تاتيني؟ لو فرضنا أن صلاتي غير صحيحة بسبب جهلي فهل حكمي هو حكم تارك الصلاة أي هل هناك من العلماء من يكفر من هو في حالتي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن الواجب على كل مسلم مكلف أن يتعلم من أحكام دينه ما تصح به عبادته، وإن أشكل عليه شيء من ذلك وجب عليه أن يسأل عنه أهل العلم، امتثالا لأمر الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل: 43}

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال. رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني. والعِيّ هو الجهل.

وقال ابن عبد البر في (التمهيد): يلزم كل مؤمن ومؤمنة إذا جهل شيئا من أمر دينه أن يسأل عنه اهـ.

ثم إننا ننبه السائل الكريم على أن التعلم المباشر من أهل العلم بحضور مجالسهم والتتلمذ عليهم، هو الأصل في التعلم، ولذلك مزايا كثيرة لا تحصل بأخذ العلم من الكتب، منها: توضيح المسائل ورفع الإشكال وتصحيح الفهم وكشف الشبهة، وقد كان أسلافنا الصالحون يعيبون على الصحفي، أي: الذي يأخذ العلم من الكتب دون العلماء والمشايخ، حتى قالوا: "من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه".

فإن فرط العبد في تعلم ما يجب عليه كان عاصيا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم. رواه ابن ماجه وصححه الألباني. وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 7677 ، 66045 ، 111461 ، 98392.

ومن شك في شيء من عبادته فهذا الشك إنما يرفع بالعلم، وأما من ابتلي بالوسوسة سواء في عبادة أو اعتقاد، فعليه أن يعرض عنها ولا يسترسل، بل يطرحها ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا. فإن الوسوسة مرض شديد فلا يفتح بابه على نفسه بالتعمق في ذلك. والوساوس في أمور الاعتقاد لا تضر صاحبها ما دام كارها لها، فإن كره العبد وخوفه ونفوره من هذه الخواطر والوساوس الشيطانية، علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان. فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.

قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك اهـ. وراجع في ذلك الفتويين: 7950 ، 12300. وقد سبق لنا التنبيه على سبل التخلص من الوسوسة وعلاجها في عدة فتاوى، منها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2081 ، 78372 ، 3086 ، 60628.

وأما مسألة بول الشيطان.

فقد قال الكرمي في (غاية المنتهى): وبولهم ـ يعني الجن ـ وقيؤهم طاهران هـ.

قال الرحيباني في (مطالب أولي النهى): لظاهر حديث ابن مسعود قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح قال رجل: بال الشيطان في أذنه. متفق عليه. ولحديث لما سمى الرجل في أثناء طعامه قال: قاء الشيطان كل شيء أكله. رواه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم ... ثم رأيت فيما علقه الفارضي على متن صحيح البخاري ما نصه: ومن جعل بول الشيطان في الأذن حقيقة استدل به على طهارة بول الجن وغائطهم، وهو مذهب أحمد؛ لأنه لم يأمر بغسل الأذن اهـ.

ولكن لا يليق أن يكون انشغال العبد بمثل هذه المسألة أشد من انشغاله بإدراك الصلاة على وقتها أو إدراك صلاة الجماعة. كما أشار إليه السائل الكريم.

وأما مسألة إطلاق الرب بمعنى المالك فهذا صحيح، وقد ذكر السائل نفسه ما يشهد له من كتاب الله على لسان نبي الله يوسف عليه السلام. فمن الواضح أن مثل هذا الإطلاق لا حرج فيه، ومن الواضح أيضا أن السائل وغيره من المسلمين لا يطلقون لفظ الرب على غير الله، إذا كانوا يريدون معنى الخالق أو المدبر أو المالك المطلق لهذا الكون، فالأمر بالفعل لا يعدو الوسوسة الشيطانية التي ينبغي الإعراض عنها كما أسلفنا.

وأما مسألة القول بخلق القرآن واعتقاد ذلك، فهذا يطلق العلماء عليه الكفر لفساد معناه ومؤداه حقيقة ً، لا لمجرد كون قائله قاله بغير علم، فإن القرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته، ومن الكفر اعتقاد أن صفة الكلام أو غيرها من صفات الله تعالى مخلوقة، لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات. ولقد دل الكتاب والسنة على أن القرآن كلام الله تعالى، وأن الكلام صفة من صفاته قائمة به سبحانه، ومع ذلك فإن القائل بذلك لا يكفر حتى تقام عليه الحجة، كما سبق بيانه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 61834 ، 42856 ، 130498 .

وعلة كفر القائل بخلق القرآن من المسائل الخفية، فلا ضرر على السائل من كونه لم يجزم بكون هذا القول في ذاته كفرا، ما دام هو في نفسه يعتقد أن القرآن كلام الله غير مخلوق.

وأما خوف السائل أن ينطبق عليه حكم تارك الصلاة إن كانت صلاته غير صحيحة بسبب جهله، فهو في غير محله، وهو من جملة الوسوسة التي يريد الشيطان إحزانه بها، ولا نعلم أحدا من أهل العلم قال بكفر من هذه حاله، بل ظاهر الأدلة يدل على خلافه، كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل. فرجع الرجل فصلى كما كان صلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك السلام. ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل. حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا علمني، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر ... الحديث. متفق عليه.

ومن الواضح أن هذا الرجل كانت صلاته غير صحيحة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة، ومعلوم أن الكافر لا يؤمر بالصلاة بل يؤمر بالإسلام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني