الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا تعارض بين الأدلة الشرعية الثابتة

السؤال

الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرخص في الاستمناء ـ أبدا ـ ولو لأشد الضرورة وأمس الحاجة إلى ذلك، أما القرآن الكريم فتستمد منه قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، وقاعدة: ارتكاب أخف الضررين أو المفسدتين لدفع أعظمهما ـ كما أنه توجد فتوى لسيادتكم تقول بجواز الاستمناء للشخص الأعزب عند التحليل، وذلك في حالة عدم وجود بديل شرعي آخر، فهل نفهم من ذلك ونستنتج أن السنة ـ أي كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ـ تعارض القرآن الكريم ولا تتفق معه؟ أم ماذا ستقولون في ذلك ـ يا سادة يا كرام؟.
جعلكم الله من الصديقين الأبرار.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبداية يجب أن ننبه على أن الأدلة الشرعية الثابتة القاطعة لا تتعارض في الحقيقة ـ سواء أكانت من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ـ وإذا حصل نوع من التعارض، فهذا يكون في ظاهر أفهامنا نحن.

فإذا عرف ذلك، ففيه جواب مسألة السائل، فدلالات القرآن والسنة في مسألة الاستمناء دلالات متفقة، بمعنى أنه لا يوجد في أي منهما رخصة بخصوص هذا الفعل، بل في كليهما دلالة على المنع، فإن الله تعالى أمر في كتابه من لا يستطيع الزواج بالعفة، فقال: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور: 33}.

وأباح لمن لم يستطع نكاح الحرائر أن يتزوج بأمة رغم مضرة رق الأبناء ولم يدلهم على الاستمناء، فقال سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ـ إلى قوله ـ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النساء: 25}.

ناهيك عن الحكم بالعدوان على من لم يحفظ فرجه إلا من زوجه وملك يمينه، حيث يقول تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {المؤمنون:5-7}.

فهذه الدلالات ونحوها تتفق مع دلالات السنة في عدم الترخيص في هذا الفعل المشين.

وأما قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات. وقاعدة: ارتكاب أخف الضررين لدفع أعظمهما، ونحو ذلك من القواعد. فلم نستمدها من القرآن وحده، بل دلت على ذلك ـ أيضا ـ سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية والتقريرية.

ولذلك، فلا بد من لفت نظر السائل إلى أن أهل العلم الذين منعوا الاستمناء مطلقا، لم يلغوا مراعاة الضرورة، بل ذهبوا إلى ذلك، لكون هذا المسلك المذموم شرعا لا يتعين سبيلا لقضاء الضرورة ـ إن وقعت ـ فإن للمرء في الصوم بديلا، وكذلك الاحتلام مزيل للشبق، وقد سبق التنبيه على ذلك في الفتوى رقم: 131002.

كما سبق أن نبهنا في الفتوى رقم: 130812، أن الضرورة لو تحققت بالفعل، فإنها تبيح من المحرمات القدر الذي تندفع به، وهذا لا يحصل في مسألة الاستمناء إلا نادرا وفي أضيق الأحوال، كما في مسألة التحاليل الطبية المذكورة في السؤال، وكأن يصيب الإنسان مرض يتضرر به بدنه بسبب احتقان المني، فإن ثبت وقوع مثل هذا ولم يوجد ـ من البدائل الجائزة ـ ما يدفعه جاز، وإلا فلا.

ومعنى ذلك: أنه إذا أمكن سلوك سبيل مباح لدفع الضرورة لم يجز أن تدفع بالحرام، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 121913.

ولمزيد التفصيل في ذلك يمكن الاطلاع على الفتاوى ذوات التالية أرقامها: 130883، 130886، 131321، 131224، 131029.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني