الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فهم مغلوط لكلام شيخ الإسلام حول الاستمناء

السؤال

الشيخ محمد صالح المنجد كان يقول المقصود: أن الشخص يخشى أن يقع في الفاحشة خشيةً حقيقية ويكون سبيل الوصول إليها سهلاً جداً فهو يخشى على نفسه. هذا الذي رخص بعض أهل العلم له الاستمناء، فأبيح له ذلك؛ لتكسير شدة عنته وشهوته. ويقول شيخ الإسلام : وأما من فعل ذلك تلذذاً، أو تذكراً، أو عادةً، بأن يتذكر في حال استمنائه صورة كأنه يجامعها فهذا كله حرام لا يقول به أحد؛ لا أحمد ولا غيره، وقد أوجب فيه بعضهم الحد، والصبر عن هذا من الواجبات لا من المستحبات. انتهى كلامه. وسؤالي لسيادتكم كيف من يفعل الاستمناء حتى ولو لتكسير شهوته كيف يستطيع ألا يتخيل امرأة وهو يستمنى، وكيف يستطيع ألا يتلذذ وكيف يستطيع ألا يتذكر صورة امرأة كأنه يجامعها، وكيف يستطيع ألا تصبح عادة. فهذا من الصعب جدا جدا. فكيف يقول بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فهل توافقونني؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا نوافق السائل على دعواه، ولا نقره على فهمه. وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية كلام متين، وهو اللائق بالفهم الثاقب الذي يتمتع به مثله من أئمة الإسلام.

ومعناه أن الاستمناء محرم، وأنه إن أبيح لضرورة فلا يجوز تعدي قدر الضرورة، ومن المعروف أن الإنزال لو حصل بالاستمناء لمن خشي على نفسه العنت، أن شبقه سيزول وشهوته ستضعف، وهذا هو القدر الذي تزول به ضرورته، أما فعله من أجل التلذذ، أو عن طريق تذكر صورة امرأة كأنه يجامعها، أو اتخاذ ذلك عادة، فهذا خارج عن محل الضرورة بلا ريب. ولذلك لم يبحه الشيخ وقال: الصبر عن هذا من الواجبات لا من المستحبات اهـ.

ولمزيد الإيضاح ينبغي أن يعلم السائل أن الضرورات إن كانت تبيح المحظورات، فإنها لابد أن تقدر بقدرها، ومثال ذلك أكل الميتة للمضطر، حيث صرح القرآن بتقييد الجواز بعدم التجانف للإثم وعدم البغي والعدوان، فقال تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة: 3} وقال سبحانه: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النحل: 115}

قال الطبري: (غير باغ) في أكله إياه تلذذا لا لضرورة حالة من الجوع (ولا عاد) في أكله بتجاوزه ما حده الله وأباحه له من أكله اهـ.

وقال ابن كثير: قال السدي: (غير باغ) يبتغي فيه شهوته. وقال عطاء الخراساني في قوله: { غَيْرَ بَاغٍ }: لا يشوي من الميتة ليشتهيه ولا يطبخه، ولا يأكل إلا العُلْقَة، ويحمل معه ما يبلغه الحلال، فإذا بلغه ألقاه اهـ.

وقال تاج الشريعة في (التوضيح على التنقيح): معناه غير طالب للميتة قصدا إليها، ولا آكل الميتة تلذذا واقتضاء للشهوة بل يأكلها دافعا للضرورة .. اهـ.

وقال البجيرمي في حاشيته على الخطيب: (غير متجانف لإثم) أي غير مائل له ومنحرف إليه بأن يأكلها تلذذا أو مجاوزا حد الرخصة اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني