الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الندم توبة والتوبة تمحو ما قبلها

السؤال

كنت في جاهليتي لا أعلم شيئا عن ديني إلا أني مسلمة, لا توجد كبيرة ولا فاحشه إلا فعلتها, وأكثر من ذلك أني تزوجت نصرانيا بعد أن أسلم وأنا أعلم أنه أسلم ليتزوجني ولم أهتم لأني كنت أجهل منه ,ثم جئت إلى بلده وتزوجته في الكنيسة اعتقادا أني أفعل ذلك لأحفظ حقوقي, وأكثر من ذلك أني سببت الله سبحانه وتعالى بألفاظ لو قلتها لأحد لقتلني, وبعد هذا كله هداني الرحمن الرحيم وأخرجني من الظلمات إلى النور وجعلني سببا لهداية زوجي وحججنا مرتين وكل عام نذهب للعمرة, شيخنا أنا دائمة البكاء وعندي يقين أن الشيطان أفضل مني, على الأقل لم يسب الله سبحانه وتعالى, ولو قرأت عن أي أحد فعل كبيرة أبكي على خيبتي وأقول فعلت أكثر منه, حتى إنني في أوقات ينتابني الأمل في ستر الله على ذنوبي يوم القيامة أقول لنفسي والله لو عاتبني الله سرا لتمنيت أن أكون ترابا من خجلي, أنا نادمة ولا أنسى أفعالي مع أنها كانت في شبابي, وأيضا أشك في أني سأدخل الجنة وهذا ليس قنوط من رحمته سبحانه ولكني أستكثر ما فعلت ويأتيني رعب وأبكي على خيبتي, وأيضا أنا في شك هل زواجي الإسلامي من زوجي مازال قائما, أعرف أن سب الله ردة, طيب وقتها لم أكن أصلي ولا شيء, وهو أيضا. هل يجب أن نعيد زواجنا؟ أنا لا أعرف كم مر من الوقت على سبي لله وتوبتي وطبعا قبلها بسنوات كنت تزوجته في الكنيسة.
أعتذر كلامي غير مرتب لأني متوترة وأكتب لك وأنا أبكي, هل زواجي قائم, تزوجته بولي وشهود وفي الأزهر ثم حصل زواج الكنيسة ثم الردة وبعدها تاب الله علي. أرجو الرد علي إن كنت فهمت من كلامي شيئا لأني والله حاولت أكتب أكثر من مرة وفي كل مرة أبكي ولا أستطيع إكمال رسالتي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي فهمناه من سؤالك أنك تزوجت هذا الرجل بعد إسلامه زواجا صحيحا، ثم أعدتم بعد ذلك مراسم الزواج في الكنيسة من أجل توثيق الزواج ببلده، ثم حصلت منك ردة، ثم تبت بعد ذلك، فإذا كان الحال هكذا، فالذي نراه –والله أعلم- أن الزواج صحيح ، فما دام العقد الأول قد استوفى شروطه وأركانه فهو صحيح، ولا يمنع صحته كون الرجل قد أسلم ليتزوجك، فقد أسلم أبو طلحة ليتزوج أم سليم ثم حسن إسلامه بعد ذلك، وانظري الفتوى رقم: 55972.

وأما حدوث الردة منك بعد الزواج، فالردة ينفسخ بها النكاح عند الجمهور، وقد ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة -في رواية- إلى زوال العصمة الزوجية بمجرد ردة الزوجة، وذهب الشافعية والحنابلة في رواية، إلى توقّف الفرقة على انتهاء العدة، فإن تابت الزوجة قبل انقضاء العدة فالنكاح باقٍ، وذهب بعض العلماء إلى أن النكاح باق إذا رجعت الزوجة إلى الإسلام ولو طال الزمن.

قال ابن القيم: ... وكانت سنته (أي الرسول صلى الله عليه وسلم) أنه يجمع بين الزوجين إذا أسلم أحدهما قبل الآخر وتراضيا ببقائهما على النكاح لا يفرق بينهما ولا يحوجهما إلى عقد جديد ........... وأيهما أسلم في العدة أو بعدها فالنكاح بحاله.

وقال: ...أيضا القول بتعجيل الفرقة فيها خلاف المعلوم من سنة رسول الله وسنة خلفائه الراشدين فقد ارتد على عهدهم خلق كثير ومنهم من لم ترتد امرأته ثم عادوا إلى الإسلام وعادت إليهم نساؤهم، وما عرف أن أحدا منهم أمر أن يجدد عقد نكاحه مع العلم بأن منهم من عاد إلى الإسلام بعد مدة أكثر من مدة العدة، ومع العلم بأن كثيرا من نسائهم لم ترتد ولم يستفصل رسول الله ولا خلفاؤه أحدا من أهل الردة هل عاد إلى الإسلام بعد انقضاء العدة أم قبلها ... أحكام أهل الذمة.

وقال الشيخ ابن عثيمين: إذا كفرا بعد الدخول، أو أحدهما يوقف الأمر على انقضاء العدة، فلا ينفسخ، بل ننتظر حتى تنتهي العدة، فإن رجع للإسلام بقي النكاح، ...

وشيخ الإسلام يرى في هذه المسألة ما رآه في المسألة الأولى، يقول: قبل انقضاء العدة تمنع المرأة من النكاح، وبعد انتهاء العدة لها أن تنكح، لكن لو أرادت ألا تنكح لعل زوجها يسلم فلها ذلك، فحينئذ يكون الأمر في الارتداد في الكفر كالأمر في الإسلام. الشرح الممتع على زاد المستقنع.

فعلى هذا القول يكون زواجكما باقيا، لكن إن أردت أن تقطعي على نفسك الشك والقلق فجددي عقد النكاح بين زوجك ووليك بحضرة شاهدين.

واعلمي أنّ الله تعالى لا يتعاظمه ذنب فمن سعة رحمة الله وعظيم كرمه أنّه مهما عظم ذنب العبد ثمّ تاب توبة صادقة فإن الله يقبل توبته قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر: 53}.

وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه : قال: سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله : يا ابن آدم ، إِنَّكَ ما دَعَوْتَني ورَجَوْتَني: غفرتُ لك على ما كانَ مِنكَ ، ولا أُبالِي ، يا ابنَ آدمَ ، لو بلغتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السماءِ ، ثم استَغْفَرتَني : غَفَرْتُ لك ، ولا أُبالي ، يا ابنَ آدم إِنَّكَ لو أتيتني بِقُرابِ الأرض خَطَايا ، ثم لَقِيتَني لا تُشْرِكُ بي شيئا : لأَتَيْتُكَ بِقُرابِها مَغْفِرَة. أخرجه الترمذي.

بل إنّ الله تعالى يحبّ التوابين ويفرح بتوبتهم ويبدل سيئاتهم حسنات، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العود له، ورد الحقوق لأصحابها إن تعلق الذنب بحق آدمي، مع مراعاة الستر وعدم المجاهرة بالذنب والإكثار من الأعمال الصالحة والحسنات الماحية، وانظري الفتوى رقم: 5450، و اعلمي أن التوبة تمحو أثر الذنب، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.

فأبشري خيرا وأقبلي على ربك وأحسني ظنك به واجتهدي في تقوية صلتك بالله بتعلّم أمور الدين و الحرص على صحبة الصالحات، وسماع المواعظ النافعة، والتعاون مع زوجك على الطاعات ، مع كثرة الذكر والدعاء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني