الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الأولاد من والدهم المسيء الظالم

السؤال

بيني وبين أبي مشاكل عظيمة كان هداه الله يتمثل الفكر الشيوعي 25سنة ثم يبدو أنه تاب وحج لكنه في ظني لا يصلي ولا يحب إلا نفسه يهين أمي وكان يضربها ضربا مدميا زمنا ونحن أولاده كذلك يستخدم معنا أبشع أنواع الضرب ولا يتورع من ضرب الولد أو البنت بحديدة أو خشبة أو قبضة يده وبما أني بعيد عنهم مذ فترة فقد أخبرني أحد إخواني أن أبي وجه المسدس نحو أخي الأصغر البالغ وأطلق رصاصة فوق رأسه في غرفة النوم ليعلمه الأدب والاحترام ... سألت أمي يوما هل يصلي أبي قالت الله أعلم لا أعرف . أحيانا يكون كالصوفي يسبح ويستغفر ويكبر وفجأة ينقلب ويتحول إلى رجل عصبي وكأنه شيطان وأظن أن الشيطان قد سكن فيه. المهم السؤال: أردت السفر لزيارتهم وكان أبي بالمستشفى وأنا قليل التواصل معه لأني كلما اتصلت به لا يستقبلني كابنه وهو كأب حنون ولكنه يفكر بنفسه ومصالحه الخاصة التي يرى أنها في الأخير لأجلنا. فلما أردت السفر أرسل إلي لا تأتي وأنا لن أقابلك وعلي الطلاق من أمك أنك إذا جئت لن أقابلك إلا بشرط أن تتزوج وتكون مطيعا يعني له. علما أني لا أستطيع الزواج الآن لظروفي المادية وكذلك لا آمن أن أتزوج إلى بيت أبي البته. وكان قد طلق علي أنه لن يتدخل في زواجي بسبب مشكلة سابقة حدثت بيننا وبينه وهي أنا كنا نأكل الطعام فحدث نقاش بيننا وبينه حول طعام الضيف فغضب منا وهدد بفض الأسرة وقلت له كلاما أحزنه وهو أن بناته يرتعبن منه فزاد غضبه وتكلم أخي الأكبر وبالغ بالشكوى فهدد أبي إن لم يسكت سيسكته برصاصة. وأمي صابرة لأجل إخواني الصغار جزاها الله خيرا الجزاء.
سألت أخي الأكبر والذي بعدي هل يؤمن أبي بالقدر قال لا لأنه إذا أراد شيئا لابد أن يكون أو لماذا أخطأت ولماذا لم تفكر وماذا كان عليك أن تفعل ولماذا لم تفعل كذا حتى ينتهي الأمر بمشكلة، ولا أتهمه بعدم الإيمان لكن هذا الذي أجده ظاهرا...
أرجو نصيحتكم ماذا أفعل وهل علي طاعته ...

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأول ما نوصيكم به هو الصبر على أبيكم والإحسان إليه بكل سبيل فإن بره -خصوصا إذا بلغ كبره- من أعظم الطاعات، وعقوقه من أعظم الكبائر الموبقات، جاء في صحيح البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس.

والنصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله في بر الوالدين وصلتهما والإحسان إليهما كثيرة مشهورة، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. {الإسراء: 22-24}.

وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب. حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

وقال صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه الترمذي, وصححه الألباني.

وقال عليه الصلاة والسلام: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة. رواه الترمذي وصححه الألباني.

ومن البر به والإحسان إليه بذل النصح له خصوصا في المحافظة على الصلاة وغيرها من فرائض الدين على أن يكون هذا بأسلوب طيب رفيق وبشرط ألا يؤدي هذا إلى مفسدة عظيمة.

واعلم أن حق الوالدين يستمر حتى مع إساءتهما وتقصيرهما في حق الأبناء لأن الله سبحانه لم يعلق الأمر ببر الآباء وإكرامهم على كونهم محسنين لأبنائهم وإنما علقه على مجرد الأبوة حتى ولو كانا مشركين يدعوان ابنهما إلى الشرك بالله والكفر به فعليه حينئذ أن يصاحبهما بالمعروف. قال سبحانه: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان: 15}، فينبغي إكرام الوالدين وإن أساءا.

ولكن كل هذا لا يبرر لوالدكم ما يقوم به من ظلم وتضييع لحقوق الله وحقوقكم فلا شك أن ضرب الولد ضربا مبرحا لا يجوز بحال، بل إنما يجوز للوالد ضرب ولده بغرض التأديب لا الانتقام دون إسراف في ذلك ولا تعد، فإذا تجاوز ذلك إلى ما يؤدي إلى الإتلاف أثم الوالد وضمن.

جاء في فقه السنة: ولا ضمان على الأب إذا أدب ولده، ولا على الزوج إذا أدب زوجته، ولا على الحاكم إذا أدب المحكوم بشرط ألا يسرف واحد منهم، ويزيد على ما يحصل به المقصود. فإذا أسرف واحد منهم في التأديب كان متعديا، وضمن بسبب تعديه ما أتلفه. انتهى.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: واختلف أبو حنيفة وصاحباه في تضمين الأب والجد والوصي ونحوهم: فذهب أبو حنيفة إلى أنه يضمن الجميع إذا ترتب على تأديبهم التلف؛ لأن الولي مأذون له بالتأديب لا بالإتلاف، فإذا أدى إلى التلف تبين أنه جاوز الحد. انتهى.

وتراجع ضوابط ضرب الولد للتأديب في الفتوى رقم: 14123.

أما رفع السلاح على ولده فهذا غير جائز مطلقا فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه.

جاء في شرح النووي على مسلم: فيه تأكيد حرمة المسلم والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما قد يؤذيه، وقوله صلى الله عليه وسلم: وإن كان أخاه لأبيه وأمه. مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواء من يتهم فيه ومن لا يتهم، وسواء كان هذا هزلا ولعبا أم لا لأن ترويع المسلم حرام بكل حال ولأنه قد يسبقه السلاح كما صرح به في الرواية الأخرى، ولعن الملائكة له يدل على أنه حرام. انتهى.

أما ما يطلبه منك أبوك من التزوج وطاعته فهذا يجب عليك أن تطيعه فيه لأنه يجب طاعته بالمعروف وفيما ليس بمعصية لله، ولا شك أن أمره لك بالزواج من المعروف، فإن لم تكن تقدر على نفقات الزواج فأعلمه بعدم قدرتك وأنه إذا أتيحت لك الفرصة فلن تتأخر في الاستجابة لرغبته، فإذا أعانك على التزوج فقد زال حينئذ عذرك ووجب عليك المبادرة للزواج.

وأما ما ذكرت من تشديد أبيكم عليكم في الأخذ بالأسباب وتعنيفه لكم على الوقوع في الخطأ فهذا لا يستلزم عدم إيمانه بالقضاء والقدر فلا ينبغي المسارعة في اتهامه بمثل هذه الاتهامات العظيمة دون تحقق وتثبت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني