الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تبطل الهبة إذا مات الواهب قبل حيازتها

السؤال

نحن عائلة تتكون من مجموعتين من الإخوة غير أشقاء لأب واحد وأمين مختلفتين. إخوتي من أبي تزوجوا منذ زمن واستقروا كل في بيته، أما نحن فمازلنا في البيت مع أمي وأبي.
وقد اتفق أبي مع أختي باقتراح منها أن يجمعا مالا لمدة سنة، وكانت تصرف على البيت عوضا عنه، ويجمع هو راتبه حتى يوفر مصاريف الحج مع أمي. و قد كان يذكر دائما أن المبلغ هو بدرجة أولى لأمي لأنه قام سابقا بأداء فريضته، ولكن المنية سبقته وتوفي. فهل يعتبر هذا المال تركة يجب تقسيمها؟ أم يعتبر من حق أمي لتحج به؟ شيخنا الجليل أرجوكم إجابتي في أقرب وقت حسب مذهب الإمام مالك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي يظهر لنا من السؤال أن والدكم ـ رحمه الله ـ قد مات وهذا المال الذي ادخره لا يزال في ملكه وحيازته، وأن الحاصل إنما هو مجرد نيته وعزمه على إنفاق هذا المال في حجه هو وأمكم، وأنه أعلمكم بهذه النية.

فإن كان واقع الأمر كذلك فسبيل هذا المال سبيل الميراث، وأما اعتبار أن هناك وصية للزوجة بهذا المال، فهذا لو صح فإنه لا يجدي شيئا؛ لأن الوصية لا تجوز لوارث إلا بإجازة الورثة، وراجعي الفتوى رقم: 569.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن ما أنفقته الابنة المذكورة من نفقة - لا تلزمها شرعا - بنية الرجوع فيها، فإن لها أن تطالب بها، بخلاف ما إذا قصدت بها التطوع أو التبرع فليس لها حق الرجوع فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه، ليس لنا مثل السوء. رواه البخاري ومسلم. قال العلامة خليل في مختصره: ونفقة الولد الذكر حتى يبلغ عاقلا قادرا على الكسب، والأنثى حتى يدخل زوجها، وتسقط عن الموسر بمضي الزمن، إلا لقضية أو ينفق غير متبرع. اهـ. وقال الدردير في (الشرح الكبير): (أو ينفق) على الولد خاصة شخص (غير متبرع) على الصغير فيرجع على أبيه، لأن وجود الأب موسرا كالمال، لا إن أنفق متبرع أو كان الأب معسرا فلا يرجع. اهـ. وراجعي في ذلك الفتويين: 58768، 24713.

والذي نراه أن إنفاق هذه الابنة على من وجبت نفقته على أبيها، بشرط أن يدخر أبوها المال لحج أمها، هو في معنى اشتراط الرجوع، وعليه فيجوز لهذه الابنة أن تأخذ من هذا المال قيمة النفقة التي أنفقتها من مالها مما كان يجب على أبيها إنفاقه.

ومن باب زيادة الفائدة، لو افترضنا أن الوالد قد وهب هذا المال الذي ادخره قبل وفاته لزوجته، ولكنها لم تحزه ولم تقبضه، فإن هذه الهبة على مذهب المالكية لا يشترط لصحتها الحوز، ولكنه يشترط ذلك في التمام واستقرار الملك، وتظهر فائدة ذلك حال الوفاة كما هو معنا. قال العدوي في حاشيته على (كفاية الطالب): الوجه الثالث في شرطها ـ يعني الهبة ـ وهو الحوز، وهو شرط في التمام والاستقرار، لا في الصحة واللزوم، وإليه أشار الشيخ بقوله: "ولا تتم ...". ولم يقل: ولا تصح .. وفائدة تمامها بالحوز أنه إذا مات قبل حيازتها بطلت, وإليه أشار بقوله: "فإن مات" الواهب "قبل أن تحاز عنه فهي ميراث" يرثه الورثة وتبطل لمن جعلت له. اهـ.

وقال ابن أبي زيد في رسالته: ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة، فإن مات قبل أن تحاز عنه فهي ميراث. اهـ.

وقال الخرشي في شرح مختصر خليل: موت الواهب قبل حيازة الهبة يبطلها، علم الموهوب له أم لا، سواء كان معينا أو غير معين، أشهد الواهب عليها أو لا. اهـ.

وفي (فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك) لابن عليش: ما قولكم في امرأة وهبت لبنت من بناتها شيئا وماتت أمها قبل حوز الهبة فهل تبطل لعدم الحوز, وإن ادعت البنت أنها كانت أرشد أخواتها وأنها التي كانت تقضي لأمها حوائجها؟ أفيدوا الجواب. فأجاب شيخ شيوخنا أحمد الدردير رضي الله تعالى عنه بما نصه: الحمد لله. حيث ماتت الأم قبل أن تحوز البنت الهبة فالهبة باطلة، وترجع ميراثا ولو كانت البنت أرشد أخواتها وتقضي حوائج أمها، وكونها كذلك لا يصحح لها الهبة من غير حوز. والله أعلم. وأجاب بنحوه شمس الدين محمد الحفناوي الشافعي رضي الله تعالى عنه. وأجاب الشيخ عمر الطحلاوي المالكي بقوله: الحمد لله، حيث ماتت الأم قبل حيازة البنت للهبة بطلت وصارت ميراثا. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني