الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يعظم الأجر بزيادة المشقة

السؤال

أنا أدرس في الجامعة (مرحلة تحضيرية لدراسة الهندسة) والمشكلة أن الدراسة صعبة عندنا فهي لا تهدف للتكوين بقدر ما تهدف إلى تصفية الطلبة لاختيار عدد الطلبة الذي تطلبه كليات الهندسة (المهم هو أن تكون الرتبة من الأوائل حتى لو كانت النتائج سيئة) مما يضطرنا إلى أن نركز على دروس معينة دون غيرها لأننا نتوقع أن تكون محور الامتحان، ولأن الامتحانات تكون طويلة جدا في بعض المواد لا يمكن لأحد أن يكملها (ربما حتى الأستاذ نفسه لا يستطيع الإجابة عنها كلها في الوقت المطلوب) كما أنني نتيجة لنسق الدراسة السريع قد أحفظ بعض القواعد دون أن أكون قد فهمتها وكيف توصلنا إليها أو ما هو مدلولها الفيزيائي وأجيب في الامتحان إجابة صحيحة. هل أنا آثم لأنني سمعت مرة أحد الدعاة يقول إن من لا يتقن عمله آثم ؟ وهل إذا مثلا قصر الفرد في العمل (كالدراسة مثلا) يحرم كل الأجر أم ينقص الأجر؟ وهل إذا قمت بعمل واجب مدرسي حتى لا أعاقب هل هذا يحرم كل الأجر أم ينقص الأجر إذا كنت أحاول أن أدرس لوجه الله؟من بين الاختصاصات التي تعجبني مجال الهندسة في مجال المواصلات. هل أختار هذا التوجه إذا نجحت أم أبتعد عنه لأنه ربما فيه شبهة (بما أن وسائل الاتصال كالهاتف والانترنيت ... قد تستخدم لأغراض خبيثة )؟في أوراق المناظرة يوجد أعلاها شعار الدولة الذي من ضمنه صورة أسد . هل يجب علي تغيير تخصصي إلى جامعة أخرى لا تضع في أوراق الامتحان ذلك أم أنه لا حرج علي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن إتقان العمل مما يحبه الله، فقد كتب سبحانه الإحسان على كل شيء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 47732.

ولكن الاستطاعة والقدرة أمر معتبر حتى في أداء الواجبات الشرعية الصرفة، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فإن أدى السائل ما يستطيع في دراسته أو غيرها من الأعمال المناطة به، فلا حرج عليه بعد ذلك؛ كما قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. {التغابن: 16}.

وقال صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. رواه البخاري ومسلم.

وأما مسألة الأجر، فإن قدره يكون على كل عمل باعتبار شيئين: النية، والإحسان. ودليل الأول قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى. متفق عليه. ودليل الثاني: قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. {التوبة: 120}. وقوله سبحانه: إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا. {الكهف: 30}.

ولا يخفى أن إحسان العمل غالبا ما يقترن بمزيد مشقة، وهذا أيضا مما يعظم به الأجر.

قال الزركشي في (المنثور): العمل كلما كثر وشق كان أفضل مما ليس كذلك. اهـ.

وصاغ ذلك كقاعدة السيوطي في (الأشباه والنظائر) فقال: ما كان أكثر فعلا كان أكثر فضلا. أصله قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: أجرك على قدر نصبك. رواه مسلم. اهـ.

وقال النووي في شرح هذا الحديث: هذا ظاهر في أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة, والمراد النصب الذي لا يذمه الشرع وكذا النفقة. اهـ.

وقال المناوي في (التيسير): لأن الجزاء على قدر المشقة غالبا، وفيه أن ما كان أكثر فعلا كان أكثر فضلا. اهـ.

وعلى ذلك فمن قصر في أداء عمله، سواء في الدراسة أو غيرها، نقص أجره بقدر تقصيره.

وأما مسألة عمل الواجب لأجل الخلاص من عقاب المدرس، فإن كان هذا وحده هو الباعث على أدائه، بحيث إذا أمن الطالب عقاب المدرس لم يعمل من ذلك شيئا، فلا شك أنه لا يؤجر على ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا أجر إلا عن حسبة، ولا عمل إلا بنية. رواه الديلمي، وصححه الألباني بشواهده. وقد سبق لنا بيان أن النية شرط في حصول الأجر ولو في الأعمال المباحة، فراجع الفتوى رقم: 32192.

وأما مسألة التخصص الدراسي في مجال الاتصالات، فلا إشكال في أن الأصل هو الجواز. ولكن إذا كان المراد هو السؤال عن الأفضل، فلا شك أن من مقومات الأفضلية هو البعد عن الشبهات والتنزه عن المجالات التي يكثر فيها الخلط بين الحلال والحرام. كما أن من مقومات الأفضلية النظر إلى حاجة المسلمين كأمة مستضعفة، وما هي المجالات الأنفع والأصلح والأحوج لحالها. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 7900.

وأما السؤال الأخير، فإن مثل هذا الشعارات الرسمية للدول مما عمت به البلوى، وعموم البلوى من أسباب التخفيف في الشريعة الإسلامية، وهذا يذكره أهل العلم تحت القاعدة الكلية: (المشقة تجلب التيسير). فلا حرج في مثل ذلك على السائل إن شاء الله تعالى. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 116077.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني