الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

انتحال الماركات العالمية على منتج آخر

السؤال

أزاول نشاطاً تجارياً مع شقيقي في مجال تجارة الأدوات الكهربائية المنزلية, فهو يستوردها ويأخذ ربح الاستيراد كاملاً, وأنا أقوم ببيع مايعرف بالجملة، ونصف الجملة والمفرق وآخذ ربحها كاملاً, وتتضمن هذه التجارة بضائع عليها أسماء عالمية لشركات يابانية وكورية وبعضها مشابه لماركات عالمية, بعضها مسجل كعلامة تجارية خاصة بنا لدى وزارة الاقتصاد ـ على الرغم من كونها تخص شركات عالمية أخرى ـ والآخر غير مسجل, ونقوم بوضع هذه العلامات على الأجهزة لدى تصنيعها, ونقوم ببيعها مع التبيان للزبون مصدر هذه البضائع من ناحية المصدر والمعمل المصنع، وما دفعنا لهذا العمل هو:1ـ أن الأسماء العالمية وماشابهها تلقى رواجاً في أسواقننا المحلية المليئة بالماركات التجارية المقلدة للأسماء العالمية, أو الأسماء الشبيهة بالأسماء العالمية.2ـ تعذر تسجيل اسم تجاري لمنتج يقترحه الإنسان لسلعته ـ حالياً ـ بسبب القوانين الوضعية الحالية مما يضطره للرشى وخلافه، وهذا موضوع لايعرفه إلا من احتك بمثل هذه الأمور.3ـ رغبات الزبائن ـ تجار الجملة والموزعين.
ولدى سؤالي لأهل العلم عن كون هذا العمل غشاً أوإعانة على غش فوجئت بالجانب الآخر: بأن هنالك حقوقاً معنوية لأصحاب هذه الشركات ـ بالرغم من كونها كافرة ـ ومع العلم بأن الأسماء التي نقوم بترويجهاهي أسماء شبه مندثرة وبعضها غير موجود في أسواقنا كبضاعة أصلية لها وكلاء وموزعون رسميون, والآخر تقليد لماركات عالمية، فالتساؤلات التي أطرحها على سماحتكم، والتي تتعلق بهذا الشق:1ـ ماحكم التجارة بمثل هذه البضائع ـ كاستيراد أو جملة أو مفرق ـ مع كثرتها وللأسف في أسواقنا؟ وهل علينا التقصي عن كل سلعة في السوق؟ وما البديل؟2ـ هل لأصحاب هذه الشركات حقوق علينا؟ وما قيمتها؟ وكيف السبيل لدفعها وتقديرها ـ إن وجدت؟ وممن تدفع؟ أمن المستورد؟ أم من من البائع؟.3ـ هل تجب موافقة أصحاب هذه العلامات على بيع ماعندنا؟ وما العمل بالبضاعة الباقية؟ وبالماركات التي قمنا بحمايتها وترويجها؟.4ـ المستورد ـ أخي ـ يرفض فكرة وجود حقوق لها نهائياً، فهل أبلغ الشركات عن هذا الأمر؟ مع العلم بأنه قد يتسبب بالضرر الفادح لي وله؟.وفي الختام أشكركم على رحابة صدركم راجيا المولى عز وجل أن يوفقكم وإياي لما يحب ويرضى, وأن يجزيكم كل الخير والثواب ويزيدكم من فضله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فننبهك ـ أولا ـ إلى أنه إذا كان مقتضى عقد الشراكة بينك وبين أخيك هو أن يكون لأخيك ربح الاستيراد ولك ربح بيع الجملة ونحوها، فلا تصح الشركة للغرر والجهالة في الربح وما يأخذه كل شريك، لعدم انضباطه، ولأن أحدهما قد لا يربح شيئا بينما يربح صاحبه كثيرا، وفي ذلك غرر ومقامرة، وعند فساد الشركة يقسم الربح وفق ما ذكرنا في الفتوى رقم: 113970.

وعلى فرض أن أخاك يجلب البضاعة وأنت تشتريها منه بما تتفقان عليه من سعر ثم تبيعها أنت للزبائن، فلا حرج في ذلك.

لكن تبقى مسألة انتحال الماركات العالمية الخاصة بشركة أو مصنع ما ووضعها على منتج آخر، فهذا يتضمن أمرين:

أولهما: ما فيه من غش المشترين والتدليس عليهم وما يتضمنه ذلك من أكل أموالهم بالباطل، لما روى أبو هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: مر على صبرة من طعام فأدخل يده فنالت أصابعه بللا، فقال: يا صاحب الطعام ما هذا؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ ثم قال: من غشنا فليس منا. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال صلى الله عليه وسلم ـ أيضا: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما. رواه البخاري ومسلم.

فالغش في البيع والتدليس على المشترين بوصف السلعة بما ليس فيها وتسميتها بغير اسمهما لإيهام المشتري بحقيقة غير موجودة لا يجوز.

ثانيهما: ما في ذلك العمل من اعتداء على العلامة التجارية للشركات الأخرى، والعلامة التجارية تعتبر حقاً لأصحابها لا يجوز انتحالها ولا الاعتداء عليها، كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: الاسم التجاري والعنوان التجاري والعلامة التجارية: هي حقوق لأصحابها، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتمول الناس بها, وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً، فلا يجوز الاعتداء عليها. انتهى.

وبالتالي، فإن تم بيان الأمر للمشترين فيبقى انتحال الاسم والاعتداء على حق الشركة صاحبة الاسم ـ الماركة العالمية ـ وهو حق لا يجوز الاعتداء عليه ـ ولو كان لكافر ـ ما لم يأذن صاحب الحق فيه، وعلى هذا، فلا يجوز الاتجار فيما كان كذلك، لأن الاتجار فيه ـ والحال ما تقدم ـ اعتداء أومشاركة في الاعتداء ـ سواء علم الزبائن بحقيقة ذلك أم جهلوا، وسواء أجازت الدولة هذا العمل أو منعته ـ ما لم تجزه الشركات صاحبة هذا الحق، وللشركة صاحبة العلامة التجارية متابعة ومقاضاة من يقلدون شعارها إن لم تكن أذنت لهم في ذلك والمتعاونين معهم عليه.

وأما ما بقي لديك من البضاعة: فإما أن تزيل عنه الاسم المنتحل والعلامة المزورة وتبيعه، أو تستأذن من الشركة صاحبة الحق في بيعه.

وما سبق بيعه من ذلك يمكن تعويض الشركة عن الاعتداء على حقها أو طلب إبرائها منه، ولا يلزم إخبارها إن كان يترتب على ذلك ضرر أكبر، بل يكفي إيصال حقها إليها ولو جهل فيقدر ويحتاط في ذلك لتبرأ الذمة. فإن تعذر الإيصال صرف المبلغ في مصالح المسلمين العامة، ومنها توزيعه على الفقراء والمساكين ووضعها في مستلزمات إنشاء الطرق والمستشفيات وصيانة هذه المنشآت.

وأما ما قمتما به من حماية ماركات أو علامات تجارية لشركات أخرى: فلا اعتبار له، وتواطؤ الوزارة معكما على ذلك لا يعيطكما ملكيته والأحقية به، بل حكمه مثل ما ذكر سابقا ما لم يكن هنالك إذن من الجهة صاحبة الحق بذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني