الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرؤية الشرعية فيما ورد من لعن أصحاب الكبائر

السؤال

اللعن هو: الطرد من رحمة الله سبحانه وتعالى ـ كما لعن الله سبحانه وتعالى إبليس من قبل، وهناك أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يلعن فيها النامصة والمتنمصة وشارب الخمر إلخ، فهل كل من ذكر لعنه في الأحاديث التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم هو مطرود من الجنة وخالد في نار جهنم كما هو حال إبليس؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد جاء في الصحيحين عند عبد الله بن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله.

وروى الحاكم وأبو داود والترمذي وابن ماجه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشراً فقال: لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها.

واللعن هو: الطرد من رحمة الله تعالى ـ وليس كل ملعون مثل إبليس، فإبليس مخلد في النار كما ثبت في النصوص، وأما الموحدون: فلا يخلدون في النار إذا دخلوها، بل يطهرون فيها ثم يخرجون منها، لحديث الصحيحين: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير. رواه البخاري.

ولحديث: من قال لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه. رواه الطبراني، وصححه الألباني.

وفي حديث الشفاعة: أن الله يستجيب له ويقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله. رواه البخاري.

قال النووي: قال القاضي: واستدلوا بهذا على أن ذلك من الكبائر، لأن اللعنة لا تكون إلا في كبيرة، ومعناه أن الله تعالى يلعنه وكذا يلعنه الملائكة والناس أجمعون، وهذا مبالغة في إبعاده عن رحمة الله تعالى، فإن اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد، قالوا: والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه، والطرد عن الجنة أول الأمر، وليست هي كلعنة الكفار الذين يبعدون من رحمة الله تعالى كل الإبعاد. انتهى.

وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي: اللعنة: هي الطرد والإبعاد ـ ولعن الكافر إبعاده عن الرحمة كل الإبعاد، ولعن الفاسق إبعاده عن رحمة تخص المطيعين. انتهى.

ثم إن اللعن من الله تعالى سببه الاتصاف ببعض تلك المعاصي المذكورة في الأحاديث، فإذا تاب العاصي توبة صادقة فإن الله تعالى يتوب عليه، وبالتالي يرتفع اللعن بارتفاع سببه وهو المعصية، وقد يمنعه الله من النار واللعن إذا وجدت بعض الأسباب المانعة من ذلك، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: فالذنوب لا توجب دخول النار مطلقاً إلا إذا انتفت الأسباب المانعة من ذلك، وهي عشرة، منها: التوبة، ومنها: الاستغفار، ومنها: الحسنات الماحية، ومنها: المصائب المكفرة، ومنها: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها: شفاعة غيره ومنها: دعاء المؤمنين، ومنها: ما يهدى للميت من الثواب والصدقة، والعتق، ومنها: فتنة القبر، ومنها: أهوال يوم القيامة، ثم قال: فمن جزم في واحد من هؤلاء بأن له ذنباً يدخل به النار قطعاً فهو كاذب مفتر.

ولمعرفة معنى عدم دخول الجنة الوارد في حق بعض العصاة من الموحدين، راجعي الفتوى رقم: 31033.

وقد قدمنا في فتاوى سابقة الكلام على ثبوت دخول الجنة لمن مات على التوحيد وأنه لا يخلد في النار، وأن اللعن الوارد في عصاة الموحدين لا يفيد منعهم من دخول الجنة، فراجعي في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 79561، 103370، 77394، 65864.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني