الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يشرع تحدث المرء عن الابتلاءات التي تعرض لها

السؤال

أود الاستفسار عن حكم الإخبار عن ابتلاءات تصيب المسلم في المواضع التالية:
1ـ إما لحث أقارب على مزيد من الصبر إذا ما ابتلوا.
2ـ وإما لكي يعرفوا حجم معاناته جراء ما تعرض له من محن إذا كان يظن أن هذا قد يدرأ عنه العين، فنعم الله عليه بادية، لكن ليس المصائب وسيكون هذا بعد أن تخف وطأة المصاب، فهل ينافي هذا كمال الصبر؟ وهل الأولى أن يكتم الإنسان مصابه إلى الأبد؟ ثم هل جزاء الصبر يكون مضاعفا إذا ابتلي المؤمن في مواسم الفضل كرمضان؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن حديث الإنسان عن ابتلاءاته لا يمنع إلا إذا كان فيه تسخط للقدر، وأما إخباره عن حاله ليحث الآخرين على الصبر، فلا حرج فيه ولا ينافي الصبر، لما في البخاري من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: وارأساه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك، فقالت عائشة: واثكلياه، والله إني لأظنك تحب موتي ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرساً ببعض أزواجك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه ـ الحديث.

ومثل ذلك إخباره بما يعاني، لما أخرجه الطبراني عن عبد الرحمن بن عوف قال: دخلت على أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في مرضه الذي توفي فيه فسلمت عليه وسألته: كيف أصبحت؟ فاستوى جالسا، فقال: أصبحت بحمد الله بارئا، قال: أما إني على ما ترى وجع.

ثم إن الشارع حض المسلم على الصبر على كل ما يصيبه من مصائب وبلايا لينال أجر الصابرين، كما في قوله تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.{البقرة: 155ـ 156}.

وفي قوله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ.{الزمر: 10}

فعلى المسلم أن يصبر الصبر الجميل، والصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى لغير الله تعالى، كما قال القرطبي في التفسير: والصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه لأحد ولا جزع.

وقال الحافظ في الفتح: وأحسن ما وصف به الصبر: أنه حبس النفس عن المكروه، وعقد اللسان عن الشكوى والمكابدة في تحمله، وانتظار الفرج. اهـ.

وكتم المصيبة أفضل، وهو من كمال الصبر، كما قال الغزالي في إحياء علوم الدين: من كمال الصبر كتمان المرض والفقر وسائر المصائب، وقد قيل من كنوز البر: كتمان المصائب والأوجاع والصدقة. اهـ.

ولكنه لا يضر التشكي من الألم من دون مبالغة، ولا يخرجه ذلك عن الصبر ما لم يتسخط، كما قال القرطبي: اختلف الناس في هذا الباب، والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على رفعه، والنفوس مجبولة على وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت عليه، وإنما كلف العبد أن لا يقع منه في حال المصيبة ما له سبيل إلى تركه كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد، كأن من فعل ذلك خرج عن معاني أهل الصبر، وأما مجرد التشكي فليس مذموما حتى يحصل التسخط للمقدور، وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره للناس على سبيل التضجر. اهـ.

وأما مضاعفة الجزاء عند البلاء في المواسم: فلا يبعد حصولها، لما علم أن العبادة في رمضان أعظم أجرا والصبر من أفضل العبادات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني