الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السبيل الذي يسلكه المرء حتى يكون من المجاهدين في سبيل الله

السؤال

ما هو الطريق الصحيح للجهاد في سبيل الله ؟ التدرب العسكري ؟ أم حفظ القرآن ؟ أم طلب العلم الشرعي ؟ أم جهاد النفس ؟ ام اعتزال البشر ؟ أم متابعة طلب أي علم نافع ؟ أفيدونا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فكل عمل وجهد يبذله المسلم ابتغاء مرضاة الله ولإعلاء كلمة الله، فإن صاحبه يعتبر سالكا لطريق الجهاد، ونرجو ان ينال شرف الجهاد في سبيل الله، ويدخل في هذا التدريب العسكري لما فيه من إعداد العدة ، فقد أمر الإسلام الأمة المسلمة بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها، وذلك للحفاظ على حياة المسلمين من جهة، ولترهيب أعداء الإسلام فلا يفكرون في الاعتداء على المسلمين من جهة أخرى، ولحماية دعاة الإسلام الذين يسعون في إيصال كلمة الله للناس في أطراف العالم حتى يتحقق المقصود، وهو أن تكون كلمة الله تعالى هي العليا، ودليل هذا قول الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ {الأنفال:60}.

قال القرطبي في تفسيره : أمر الله المؤمنين بإعداد القوة للأعداء، فإن الله سبحانه لو شاء لهزمهم بالكلام والتفل في وجوههم وبحفنة من تراب، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه أراد أن يبتلي بعض الناس ببعض بعلمه السابق وقضائه النافذ. انتهى.

ويدخل فيه حفظ القرآن، وطلب العلم الشرعي حتي يقوم العالم بجهاد الحجة والدعوة الي الله على بصيرة، كما قال ابن القيم: أمر الله تعالى نبيه بالجهاد من حين بعثه، وقال: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا {الفرقان:52،51}. فهذه سورة مكية أمر فيها بجهاد الكفار، بالحجة، والبيان، وتبليغ القرآن، وكذلك جهاد المنافقين، إنما هو بتبليغ الحجة، وإلا فهم تحت قهر أهل الإسلام، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {التوبة: 73} فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواص الأمة، وورثة الرسل، والقائمون به أفراد في العالم، والمشاركون فيه والمعاونون عليه وإن كانوا هم الأقلين عددا فهم الأعظمون عند الله قدرا. انتهى من زاد المعاد .

وكذلك ما تحتاجه الأمة من العلوم النافعة فقد قال أهل العلم: إن دراسة العلوم الدنيوية كالهندسة والطب والرياضيات والتكنولوجيا والفيزياء والكيمياء والميكانيكا والبناء والملاحة والحاسوب... وغيرها، مما تقوم عليه مصالح الناس فرض كفاية يجب أن يتخصص فيها بعض الناس، لأنها إذا تركت بالكلية فستضيع المجتمعات، ويتعطل القيام ببعض العبادات، والمصالح العامة. فالحكمة ضالة المؤمن وهو أحق الناس بها وعليه أن يطلبها.

فطلب هذه العلوم من أعظم العبادات وأنفع القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، وقد تتعين على بعض الطلبة فيكون تحصيلها فرض عين عليهم إذا توجهوا إليها، وكانوا مؤهلين لتعلمها، وكانت الأمة محتاجة إليها، ولم يوجد مؤهل للقيام بها غيرهم.

ويدخل في ذلك أيضا جهاد النفس لما في الحديث: أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه. رواه ابن النجار وصححه الألباني. وفي الحديث: أفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل. رواه الطبراني وصححه الألباني.

وقد ذكر ابن رجب في جامع العلوم والحكم، وابن حجر في الفتح، والمناوي في الفيض أن جهاد النفس من أعظم الجهاد، وذكروا في ذلك عدة آثار عن السلف، ولكنه يتعين التنبه إلى أن جهاد الفساق والكفار من أعظم ما يشق على النفس لما فيه من تعريض الروح والمال والعرض للخطر، وذلك شاق على النفس، فما لم يجاهد نفسه ويروضها على فعل الطاعات، فإنه قد لا يجاهد هذا النوع من الجهاد، فتقويم النفس على الطاعة هو الأساس، لكنه لا يعفي من القيام بأوامر الشرع التي تحض على أنواع الجهاد الأخرى، فان بعض النصوص يتناول جميع الأنواع كما قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: والذين جاهدوا فينا أي جاهدوا الكفار فينا، أي في طلب مرضاتنا، وقال السدي وغيره: إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال، وقال ابن عطية: فهي قبل الجهاد العرفي، وإنما هو جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته. قال الحسن بن أبي الحسن: الآية في العباد. وقال ابن عباس وإبراهيم بن أدهم: هي في الذي يعملون بما يعلمون. وقال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في الآية قتال الكافر فقط بل هو نصر الدين، والرد على المبطلين، وقمع الظالمين، وأعظمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله، وقال سفيان بن عيينة لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله تعالى يقول: لنهدينهم. وقال عبد الله بن عباس: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا. وهذا يتناول بعموم الطاعة جميع الأقوال. اهـ

وقال ابن قاسم في حاشية الروض: فهو أي الجهاد لغة: بذل الطاقة والوسع، وغلب في عرفهم على جهاد الكفار وهو دعوتهم إلى الدين الحق وقتالهم إن لم يقبلوا، وجنس الجهاد كما قال ابن القيم وغيره فرض عين، إما بالقلب، وإما باللسان وإما بالمال، وإما باليد، فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع. اهـ

وأما الاعتزال فالأصل عدمه إلا أن يخاف المرء على نفسه من الفتن، ولا يكون هناك جماعة ولا إمام يجاهد معهم ويتعاون معهم على إقامة الدين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني