الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبيل الفوز بجنات النعيم

السؤال

إخوتي وسوس لي الشيطان بكفري بعد فعل فعلته، وأريد أن أسأل هل ما فعلته كفر ـ والعياذ بالله أم لا؟ لأزيل الشك بإذن الله، سمعت في محاضرة عبر الإنترنت أن جنة النعيم وهي ثاني مرتبة من رتب الجنة للمقربين والمخلصين فقط، وهي لأهل الكتاب الذين آمنوا واتقوا، قال تعالى: ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ـ وحزنت لأنني كنت أريد أعلى المراتب، ولكن رضيت بقدر الله فليس لي الحق أن أريد جنة كجنة الأنبياء والرسل وأعلم أن الله ليس بظلام للعبيد وأنه عادل أتم العدل وهي جنته يدخل فيها من يشاء، فاطمأن قلبي من هذه الناحية ورضيت ـ والحمد لله ـ وكنت راضيا به، وفي اليوم الذي يليه بدأ يوسوس لي الشيطان قال اكفر وكن من أهل الكتاب لـتأخذ جنات النعيم وكأنه قال لي ردد الآية فأرددها وإذ هي كما قال فأحسست أن هذا الكفر ـ أن أكفر وأكون من أهل الكتاب ثم أسلم ـ ليس فكرة صحيحة، لأنه لم يفعله أحد وأحاول وأحاول ترك هذه الفكرة وخفت أن تدخل إلى قلبي فيوافق تماما عليها فبادرت معلما لي وقلت له هناك شخص قلت له إن جنات النعيم للمقربين والمخلصين ولأهل الكتاب الذين آمنوا واتقوا ـ بإذن الله ـ طبعا يدخلونها فقال لي الشخص اكفر وارجع أسلم لتدخلها وقلت للمعلم كيف أرد عليه؟ قال هذا كفر ـ والعياذ بالله ـ وتلاعب بالدين فزاد خوفي وبعدها بعدة ساعات كلمت محدثا وطالب علم وقلت له هناك شبهة في ديني فقال لي الشبهات مخيفة هذا الزمن اسأل دار الإفتاء وأصلح الله قلبك فكلمتهم ولم يردوا علي وأنا في حيرة من أمري وكل ما أعبد الله قال لي كفرت فأتشهد وأقول لم أكفر ولا أعتقد ذلك فقد أسلمت، وأمي ـ حفظها الله ـ بها سحر تفريق والله أعلم وقالت إن شيطانا يؤذي من في البيت فإخوتي وأهلي يتأذون وهذه وسوسة ولم أكفر، فهل هذا صحيح؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن جنة النعيم ليست خاصة بأهل الكتاب الذين آمنوا، بل هي لعموم المؤمنين المتقين، ووسيلة دخولها هي الإيمان والعمل الصالح، لقوله تعالى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ {الحـج:56}.

ولقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ {يونس: 9}.

ولقوله تعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ {القلم:34}.

وفي سؤالات إبراهيم عليه السلام: وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ {الشعراء:85}.

ومن الخطر العظيم أن يتصور هذا الأمر حلا، فإن الشرك يحبط العمل ولا يدري المرتد هل يبقى حيا حتى يسلم أم يموت فورا حال ردته.

ومن الخطأ العظيم أيضا استفتاء الناس للجهال وجراءة الجهال على الفتوى بغير علم والمسؤولية في هذا على الأمة كلها، فإن المسلمين يتعين عليهم أن يتعاونوا ويسعوا في إيجاد نخب من طلبة العلم في كل مكان يستطيعون إسعاف المستفتين وتعليمهم ما يحتاجون له من أمورهم الدينية، ويغنونهم عن استفتاء الجهال، فلا بد للأمة أن تسعى في تحريض من أمكن من الأذكياء على تعلم الشرع ليتم الاستغناء عن تجاسر الجهال على الإفتاء حتى لا نقع في الضلالة المذكورة في الحديث: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا يتنزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا. متفق عليه.

ويحرم على من يجهل الحكم في مسألة ما أن يفتي فيها بغير علم، لقول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ انتهى.{الأعراف:33}

ويشتد الإثم فيما يتعلق بالعقائد، فإن من أفتى شخصا بأن يكفر يخشى عليه من الردة عند بعض أهل العلم، كما قال الحطاب في منح الجليل: وذكر السعد في شرح العقائد كفر من يفتي امرأة بالكفر لتبين من زوجها. اهـ.

ثم إن كره العبد لهذه الوساوس المذكورة في السؤال ونفوره وخوفه منها، يدل على صحة إيمانه، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.

وقد سبق لنا التنبيه على أن المرء لا يؤاخذ بالوسوسة إذا دفعها ولم يعتقدها ولم يعمل بها، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 122243، 7950، 12300، 103400.

كما سبق لنا بيان سبل التخلص من الوسوسة وعلاجها في عدة فتاوى، منها الفتاوى التالية أرقامها: 3086، 60628، 2081، 78372.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني