الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

شيخي الفاضل: أعتذر عن كثرة أسئلتي، ولكن ثقتي بموقعكم ما يحمسني ويشدني لمراسلتكم أنتم لا غير.
إنني أحب الله حبا كثيرا، ولكن للأسف هناك معصية أفعلها كل فترة وأخرى، وفي كل مرة أعد الله بأني لن أكرر فعلي، وأتوب وأستغفر وأصلي ركعتين لله بنية التوبة. فهل الله يغفر لي؟ وهل وعدي لله وإخلافه عليه عقاب؟
مع العلم أن المعصية التي أفعلها هي نمص الحواجب وحكمها اللعن. وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله أن يعيننا وإياك على صدق التوبة والاستقامة على الطاعة. واعلمي أن نمص الحاجبين محرم؛ لما روى الشيخان من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله .

وقال ابن قدامة في المغني : فهذه الخصال محرمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعلها، ولا يجوز لعن فاعل المباح. اهـ

ثم إن الله تبارك وتعالى بمنه ورحمته يغفر للعبد، ويقبل توبته ما دام يذنب ويستغفر، ويأتي بالتوبة بشروطها في وقتها. ومن أركانها العزم على عدم الرجوع إلى الذنب في المستقبل. وإذا كان يتوب كلما أذنب فإن الله تعالى يتوب عليه ولو تكرر ذلك منه مرارا وتكرارا، كما قال تعالى : كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) {الأنعام}. وقال تعالى : وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) {النساء}. وقال تعالى : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) {البقرة}.

ومعنى التوابين أي الذين يتوبون من الذنب، وإن تكرر حدوثه منهم، قال ابن كثير رحمه الله : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ . أي : من الذنب وإن تكرر غشيانه . انتهى .

وفي الحديث المتفق عليه : أن عبدا أصاب ذنبا -وربما قال أذنب ذنبا- فقال : رب أذنبت - وربما قال : أصبت - فاغفر لي، فقال ربه : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؛ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبا، أو أذنب ذنبا، فقال : رب أذنبت -أو أصبت- آخر فاغفره، فقال : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي، ثلاثا، فليعمل ما شاء.

قال النووي -رحمه الله - في شرحه لصحيح مسلم : ولو تكررت مائة مرة، بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته، أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته. انتهى.

ولكن ليس في هذا الحديث ترخيص في فعل الذنوب، ولا إغراء بالرجوع إليها، فإن العود إلى الذنب قبيح لما يتضمنه من نقص التوبة، ولكن فيه فائدة عظيمة أشار إليها القرطبي رحمه الله بقوله : وفائدة هذا الحديث أن العود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه لأنه انضاف إلى ملابسة الذنب نقض التوبة، لكن العود إلى التوبة أحسن من ابتدائها لأنه انضاف إليها ملازمة الطلب من الكريم والإلحاح في سؤاله. انتهى من فتح الباري.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني