الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حيلة الشيطان لمن أيس من إغوائه

السؤال

شيخي الفاضل، السؤال يتعلق بالحادثتين التاليتين، قمت بشراء مجموعة أغراض أحدها يوجد منه نوعان أحدهما أرخص من الآخر، وانا اشتريت الأرخص، ولما قصدت أمين الصندوق أحتسب سعر الغرض موضوع البحث بالسعر الأعلى، ولما أخبرته أنني أخذت الأرخص أعاد الاحتساب لهذا الغرض ولباقي الأغراض، ودفعت الثمن والبالغ 3 دنانير. إلى هنا المسألة طبيعية. بعد ذلك بدأت الوساوس نعم الوساوس، تروادني حول صحة الاحتساب، فقصدت أمين صندوق آخر في نفس المحل، وطلبت منه إعادة التسعير بحجة أن هناك خطأ في الحساب تجاوب معي وأعاد الاحتساب وقال بأن الحساب هو 2.95 دنانير. اطماننت وعدت إلى البيت. وأنا في الطريق جاءتني الوساوس مرة ثالثة، وبين نعم ولا قررت أن أعود لإعادة الاحتساب، وعدت ولكن عدلت عن الفكرة لأتخلص من الوسواس، إلا أن الوسواس كان أقوى مني فعدت وقصدت أمين الصندوق الذي ذهبت إليه في المرة الثانية وقلت له إن هناك خطأ في الحساب، وفعلا تجاوب معي وأعاد الاحتساب وقال لي كم أخذ منك أمين الصندوق فقلت 3 دنانير، فقال إذن لك عنده 2 قرش، فقلت إنها غير مهمة، وخرجت. وهنا بدأت المأساة مرة أخرى، إذ أخذت أفكر هل يعني أن الحساب هو 2.98 أم لا؟. المهم تغلبت هذه المرة وعدت البيت. ولا أخفيكم الأمر فكرت أن أعود إليه في اليوم التالي لإعادة الاحتساب، ولكن والحمد لله لم أتمكن. وكل هذا بدافع خوفي من أن آكل مالا حراما، فياتي يوم القيامة ويأخذ من حسناتي كما ورد في الحديث. أرجو تزويدي به. وحادثة أخرى بذات السياق حصلت عندما اشتريت علبة ألوان، وتبين بعد أن عدت البيت بأن عددها ناقص واحدا إضافة إلى أن خطها باهت فقررت إرجاعها إلى المتجر، وأنا في طريقي وضعتها على تابلو السيارة، حيث وقعت . ولما وصلت المتجر تناولتها من أرضية السيارة، فإذا بالعبوة قد كسرت من إحدى أطرافها، حقيقة اسودت الدنيا أمامي فها أنا ذا أعود إلى مأساة أخرى، المهم أخبرت أمين الصندوق بالذي حصل حيث قال " مش مهم" ولما استدعى موظفا آخر لاتمام عملية الارجاع، طلب هذا الموظف مني الانتظار لأخذ موافقة المدير. في هذه الأثناء، ذهبت للبحث عن بديل آخر، وهناك وجدت الموظف قد أقبل نحوي وقال بأن المدير وافق على التبديل، فقلت له" ولكن انتبه ... إن هذه العبوة وقعت مني وانكسرت" فقال مش مهم فإن هذه الألوان قديمة. ومن ثم تمت عملية التبديل. ومع ذلك عادت الوساوس بخصوص الحادثة مثل هل أمين الصندوق مخول، هل الموظف مخول... وأصبح الأمر عندي أنه لا بد من الرجوع إلى رئيس مجلس الإدارة أو المدير العام ليقول لي ليس عليك مسؤولية.من خلال هاتين الحادثتين، أود السؤال عن دوافع الوسواس وما هو مدى تطبيق حديث الرسول محمد صلى لله عليه وسلم بخصوص أخذ الناس من حسنات بعضهم يوم القيامة استردادا لحقوقهم، ومتى يصبح المال حراما بحيث يؤاخذ عليه الانسان. وأخيرا هل توجد قاعدة شرعية يمكن اتباعها تعفيني من هذا الوسواس، انا لا أقصد من سؤالي التهاون في حقوق العباد، ولكن ما يحصل أصبح مزعجا جدا، بحيث إن الشكوك تملكتني بحيث إنني أصبحت أحيانا أشك في الشخص الذي أتحدث معه حول مسألة مالية، هل سمعني جيدا، هل فهم قصدي، هل هو مخول بالرد، وغيرذلك. والمشكلة في الأمر أنني أصبحت أتبنى قاعدة أن حقوق العباد أهم – والعياذ بالله- من حقوق الله، انطلاقا من أن الله غفور رحيم. اما العباد فلن يرحموني حتى يأخذوا من حسناتي يوم القيامة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الشيطان يتربص بالإنسان، وقد أقسم على أن يأتيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله . وإذا عسر عليه إغواء الإنسان من باب المعاصي أتاه من باب الطاعات والقربات، فإن عسر عليه ذلك أتاه من باب الوسوسة حتى يتمكن منه، فيشغل قلبه وجوارحه ويتمادى معه في ذلك حتى يدخل عليه من كل باب . وبالتالي فالوسوسة من الشيطان وتجاوبك مع الوسوسة قد يؤول بك إلى ما لا تحمد عاقبته، فاقطع على الشيطان سبيله بعدم الالتفات إلى ما يخيله إليك متى ما استقصيت في الحق، وفعلت في تبرئة ذمتك منه ما تستطيع، وأعرض عن وساوسه صفحا.

قال السيوطي في الديباج: وقيل إن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه. اهـ

وقال النووي : إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله في دفع شره عنه . وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء، فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالانشغال بغيرها. اهـ

وما ذكرته إنما هو من هذا القبيل فقد كان يكفيك في المسألة الأولى أن تعود إلى المحاسب نفسه أو إلى المحاسب الثاني مرة واحدة للتيقن وتدفع الشك الذي راودك وتقطعه باليقين، وما عرض لك بعد ذلك لا تلتفت إليه، وعلى فرض حصول خطأ غير بين، فلا إثم عليك فيه.

وكذلك في المسألة الثانية حيث إنك بينت ما حدث وقد رضي المدير المسؤول عن ذلك بإرجاع العلبة رغم ما حدث فلا تلفت بعد ذلك إلى الوساوس . ثم إن صاحب الوسوسة أغلب ما يعرض له لا حقيقة له في الواقع، إنما هو من الشيطان، وبالتالي فلا يلتفت إليه أبدا، وليستعذ بالله من الشيطان متى عرض عليه. قال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {الأعراف:200}.

والوسواس لا يترتب عليه حكم؛ إذ لا اعتبار لما يكون بسببه فلا يلتفت إليه، والأصل براءة الذمة من حقوق العباد، ولا يلزم الإنسان إلا ما عمرت به بيقين لا بمجرد الوساوس والأوهام.

وعلى كل فاتق الله ما استطعت، ولا تلفت بعدها إلى ما يعرض لك من الشكوك لأنك موسوس، ولا علاج لذلك إلا الالتفات عنه والانشغال بغيره والاستعاذة بالله والالتجاء إليه وراجع في حديث من كانت له مظلمة . الفتوى رقم : 21844.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني