الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يؤجر المريض على المرض بمجرد وقوعه

السؤال

شيخنا الفاضل:
المريض يثاب على مرضه حتّى الشوكة التي يشاكها.
هل يتوجّب على المريض أن يستحضر النيّة حتى يثاب على مرضه أم أنّه بمجرّد مرضه يثاب ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف أهل العلم في المصائب من أمراض وغيرها هل يؤجر عليها المسلم بمجرد وقوعها ؟ فمنهم من يقول أنه لا يؤجر إلا على الصبر والرضا، وإلى هذا ذهب العز بن عبدالسلام فقد نقل ابن حجر عنه في فتح الباري قوله: ظَنَّ بَعْض الْجَهَلَة أَنَّ الْمُصَاب مَأْجُور ، وَهُوَ خَطَأ صَرِيح، فَإِنَّ الثَّوَاب وَالْعِقَاب إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْكَسْب، وَالْمَصَائِب لَيْسَتْ مِنْهَا، بَلْ الْأَجْر عَلَى الصَّبْر وَالرِّضَا. انتهى .

وهذا القول يؤيده حديث :إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط. صححه الألباني.

ومنهم من يقول إن المصائب من أمراض وغيرها كفارات وإن لم تقترن بالرضا, وهذا اختيار القرافي, ونقله عنه كذلك ابن حجر فقال: قال القرافي : الْمَصَائِب كَفَّارَات جَزْمًا سَوَاء اِقْتَرَنَ بِهَا الرِّضَا أَمْ لَا ، لَكِنْ إِنْ اِقْتَرَنَ بِهَا الرِّضَا عَظُمَ التَّكْفِير وَإِلَّا قَلَّ. انتهى.

ويؤيد قول القرافي ما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مغفل : أن رجلا لقي امرأة كانت بغيا في الجاهلية فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها فقالت المرأة: مه فان الله عز و جل قد ذهب بالشرك -وقال عفان مرة ذهب بالجاهلية- وجاءنا بالإسلام فولى الرجل فأصاب وجهه الحائط فشجه، ثم أتى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال أنت عبد أراد الله بك خيرا إذا أراد الله عز و جل بعبد خيرا عجل له عقوبة ذنبه وإذا أراد بعبد شرا أمسك عليه بذنبه حتى يوفى به يوم القيامة.

ويدل على هذا أيضا حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري مرفوعا: مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا.

فدل هذان الحديثان على أن المصيبة كفارة للمؤمن وإن لم يقترن بها الرضى.

وقد جمع الطحاوي في شرح مشكل الآثار بين ما أشكل فقال: حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن عمرو بن شرحبيل قال: قال عبد الله الوجع لا يكتب به الأجر ولكن تحط به الخطايا والأجر بالعمل. قال أبو جعفر: والكلام الذي في حديث عبد الله قبل هذا قد كفانا عن الكلام في هذا غير ما في هذا الحديث من قوله: الأجر في العمل. فوجه ذلك عندنا والله أعلم على أن العمل لا تحط به الخطايا ولكن يكتب به الأجر كان لعامله خطايا أو لا خطايا له وأنه بخلاف الأمراض والأوجاع التي تحط بها الخطايا إن كانت هناك خطايا ويكتب بها الأجر إن لم يكن هناك خطايا والله أعلم وبالله التوفيق.

وقال ابن حجر بعد نقل كلام ابن عبد السلام والقرافي: وَالتَّحْقِيق أَنَّ الْمُصِيبَة كَفَّارَة لِذَنْبٍ يُوَازِيهَا ، وَبِالرِّضَا يُؤْجَر عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَابِ ذَنْب عُوِّضَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الثَّوَاب بِمَا يُوَازِيه .

والحاصل من كلام الطحاوي وابن حجر أن المصيبة من مرض وغيره كفارة للذنوب أو رفع للدرجات، فإن صبر المرء عليها ورضي بها فهذا عمل يؤجر عليه وهو زائد على مجرد التكفير. أما حديث: فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط. فليس فيه دليل على عدم التكفير ولكن يدل على الثواب على العمل الصالح - وهو الرضى- والجزاء على العمل السيء -وهو السخط -.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني