الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

في هذه الأيام لاحظت انتشارا للفكر الإلحادي في مدرستنا، فقررنا أن نجمع شبهاتهم حول الإسلام ونردّ عليها، فهل بالإمكان مساعدتي؟ أولا: يقول أحدهم إن هناك خالقا للكون وهذا الخالق الكامل يتلذذ بتعذيب الناس عن طريق فرض أحكام تعجيزية على بشر ناقصين، ثانيا: لا يجد تفسيرا لحديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ـ إذا ما ربطناه بالفتنة الكبرى والقتال الذي دار بين المسلمين وفيهم بعض الصحابة المبشرين. أضف إلى ذلك أن هذا الشخص يعتقد أن التاريخ دائما ما يحرف لصالح الفائز، أجيبوني أثابكم الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجزاكم الله خيرا على غيرتكم على دينكم والحرص على الدفاع عنه، فهذا نوع من الجهاد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني.

وهنا نود التنبيه على أن من أراد التصدي للرد على المبطلين فعليه أن يتسلح بالعلم الصحيح من الكتاب والسنة حتى يأمن على نفسه الفتنة، وراجع الفتوى رقم: 29347.
وأما كون الله تعالى هو خالق الكون، فنعم، وكون هذا الخالق له الكمال المطلق، فنعم، فله صفات الجلال والكمال والجمال ودلائل وجوده وكماله مبثوثة في هذا الكون، ولتفصيل ذلك يمكن الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 22279، 50936، 163423.

وأما ما يردده بعض الملحدين من فرض الله تعالى أحكاما تعجيزية على بشر ناقصين، ومن تلذذه بذلك!! فهو محض افتراء وخيال، لا يعتقده إلا من لا يعرف الله تعالى، ولا يعرف شريعته وسماحتها ورفعها للحرج عن المكلفين، وعفوها عن ما عجزوا عنه، ويمكن مراجعة الفتوى رقم: 117722، للوقوف على بيان ذلك، كما يمكن مراجعة الفتويين رقم: 115780، ورقم: 119316، للجواب عن أصل هذه الشبهة.

وأما السؤال الثاني فجوابه أن هذا الحديث مقيد بمن قاتل لأجل الدنيا وشهواتها، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: أخرج البزار في حديث: القاتل والمقتول في النارـ زيادة تبين المراد، وهي: :إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار.

ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ: لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قتل، ولا المقتول فيم قتل فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: الهرج القاتل والمقتول في النار.

قال القرطبي: فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهل من طلب الدنيا أو اتباع هوى فهو الذي أريد بقوله: القاتل والمقتول في النار ـ قلت: ومن ثم كان الذين توقفوا عن القتال في الجمل وصفين أقل عددا من الذين قاتلوا، وكلهم متأول مأجور ـ إن شاء الله ـ بخلاف من جاء بعدهم ممن قاتل على طلب الدنيا، ومما يؤيد ما تقدم ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رفعه: من قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقتل فقتلته جاهلية . اهـ.
وبذلك يتبين أن هذا الحديث لا يتناول ما جرى بين الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في موقعة الجمل وصفين، لأنهم كانوا في ذلك القتال مجتهدين ومتأولين، قال النووي: اعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية، ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق، ومخالفه يأثم، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله، وكان بعضهم مصيباً وبعضهم مخطئاً معذوراً في الخطأ، لأنه اجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه. اهـ.

وأما اعتقاد هذا الشخص أن التاريخ دائما ما يحرَّف لصالح القوي الغالب، فهذا وإن كان قد حدث شيء منه، إلا إنه لا يعني أن التاريخ كله مزور!! ولكن يعني أنه لا بد من تمحيص الرويات التاريخية بمراعاة قواعد المحدثين في قبولها، إذا أرادنا الاستشهاد أو الاحتجاج بها، ويتأكد هذا إذا تعلق بها حكم شرعي.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني