الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من مات على التوحيد مآله الجنة وإن عذب بذنوبه

السؤال

إخواني الكرام أريد أن أسألكم عن سؤال يشغلني جدا ومنذ فترة كبيرة أريد أن أعرف الجواب النهائي عليه من حضرتكم خصوصا ـ ولا نزكيكم على الله ـ أنكم أهل ثقة، وسؤالي هو: سمعت من قبل وقرأت في عدد من المواقع والمنتديات الموثوق فيها أن أهل التوحيد أهل السنة والجماعة لا يخلدون في النار وإن دخلوها، فهل معنى ذلك أن أي شخص مهما كان يتبع منهج أهل السنة والجماعة بقلبه مهما حدث لن يخلد في النار بإذن الله؟ وأقصد حتى وإن عصى مهما كان وترك الفرائض ـ من صلاة وزكاة وغير ذلك ـ رغم أن هناك أحاديث وآيات كثيرة تدل على دخول النار لمن يفعل معصية أو يترك فريضة، بل وسيخلد فيها، وأبسط مثال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تارك الصلاة أنه كافر وهنا واضح أن معناه سيخلد في النار رغم أنه يتبع المنهج الصحيح إلا أنه لأنه لم يعمل بقلبه قولا وفعلا فسيخلد في النار. وأيضا الآية 93 في سورة النساء عن قتل مؤمن متعمد وهي صريحة في تخليده في النار وطبعا رب العزة من المؤكد أنه لا يتحدث عن كافر، بل يتحدث عن مؤمن، لأن الكافر أصلا مخلد في النار إلا إذا شاء الله، وكذلك الآية 140 من سورة النساء وغيرها، فهل يوجد دليل قطعي وأكيد على أن شخصا مثلي مسلم مؤمن تمام الإيمان بمنهج أهل السنة والجماعة لن يخلد في النار ـ بإذن الله ـ حتى لو دخلها أو اقترفت الآيات والآحاديث التي توقع صاحبها المسلم في النفاق أو الكفر والشرك. لا أريد رأي العلماء في هذه النقطة أو الإمام المعين، أريد كلاما مباشرا وأكيدا هل لن يخلد مسلم في النار مهما فعل؟ يعني هل ستكون النهاية مهما كانت بعد ذلك الجنة أم لا؟ لأن كل المواقع والمنتديات التي تتحدث عن ذلك تعطي رأي العلماء ولكن لا يوجد كلام أكيد وآسف جدا على الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنعم أيها الأخ الكريم، من مات على التوحيد موقنا أنه لا إله إلا الله غير آت بشيء من نواقضها فهو من أهل الجنة، وقد يدخل النار فيعذب بما عليه من الإثم وقد يغفر الله له، وهو إن عذب بما عليه فمآله إلى الجنة، وهذا مما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف واتفاق العلماء المعتبرين، قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {النساء:116}.

وعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني آت من رَبِّي، فَأَخْبَرَنِي ـ أَوْ قَالَ: بَشَّرَنِي ـ أَنَّهُ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة، والعجب منك أيها الأخ الكريم كيف لا ترضى وتقنع بكلام العلماء في هذه المسألة الخطيرة، وهم نجوم الهدى ومصابيح الدجى، ونحن ما ننقل إلا كلامهم ولا نتكلم إلا بما تكلموا به، والله عز وجل قد أمر بالرد إليهم وسؤالهم فيما يشكل، كما قال تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون{ الأنبياء:7}.

وأما تارك الصلاة فمختلف فيه بين العلماء؛ فمن حمل الحديث المذكور على ظاهره حكم بخروجه من ملة الإسلام ومن ثم يكون مخلدا في النار، ومن قال بأنه من جملة الموحدين حمل هذا الكفر المذكور في الحديث على أنه كفر دون كفر، وانظر للتفصيل الفتوى رقم: 130853.

وأما قوله تعالى في قاتل النفس: فجزاؤه جهنم خالدا فيها ـ فمحمول على طول المكث، أو أن هذا جزاؤه إن جوزي أو على غير ذلك من التأويلات.

وأما تأويل قوله تعالى: إنكم إذا مثلهم، فانظره في الفتوى رقم: 161043.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني