الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في كيفية قضاء الفوائت

السؤال

أصبت بمرض وكنت في حالة تعب شديد ولم أصل أسبوعين، فهل أبدأ في الصلاة بالأسبوعين؟ أم أصلي صلاة اليوم أولا ثم أصلي الأسبوعين لاحقا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقبل الإجابة عن الترتيب بين صلاة اليوم والفوائت نقول: اعلم أن المرض ليس عذرا مبيحا لترك الصلاة ما دام العقل موجودا، وذلك أن المريض يصلي على حسب حاله ولا تسقط عنه الصلاة بحال، فإن قدر على القيام صلى قائما، وإن عجز عنه صلى قاعدا، وإن عجز عن القعود صلى على جنب، وإن عجز صلى إيماء برأسه، فإن عجز أومأ بطرفه، قال ابن قدامة: وإن لم يقدر على الإيماء برأسه أومأ بطرفه ونوى بقلبه ولا تسقط الصلاة عنه ما دام عقله ثابتا. انتهى.

وإن قدر المريض على الوضوء توضأ وإلا تيمم، وإن قدر على إزالة النجاسة أزالها وإلا صلى حسب حاله.

وعليه؛ فإن كنت تركت الصلاة هذه المدة وأنت تقدر على أدائها على نحو ما قدمنا فقد أخطأت خطأ عظيما، والواجب عليك الآن هو التوبة إلى الله تعالى مع المبادرة بالقضاء، مع مراعاة الترتيب بينها حسبما فاتت، فتبدأ بأول صلاة فاتت عليك كالصبح مثلا ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء، وهكذا تفعل حتى تتم الأيام التي فاتتك، لكن إذا حضرت الصلاة الحاضرة وضاق وقتها وجب تقديمها على قضاء الفوائت، ففي الشرح الكبير لابن قدامة المقدسي: متى خشي فوات الحاضرة سقط وجوب الترتيب مثل أن يشرع في صلاة حاضرة فيذكر فائتة والوقت ضيق، أو لم يكن في صلاة، لكن لم يبق من وقت الحاضرة ما يتسع لهما جميعا فإنه يقدم الحاضرة ويسقط الترتيب في الصحيح من المذهب. انتهى.

وقال النووي في المجموع: وإن ذكر الفائتة وقد ضاق وقت الحاضرة لزمه تقديم الحاضرة، لما ذكره المصنف. انتهى.

وفي أضواء البيان للشنقيطي: وأعلم أنه إن تذكر فائتة في وقت حاضرة ضيق فقد اختلف العلماء: هل يقدم الفائتة وإن خرج وقت الحاضرة أو لا؟ إلى ثلاثة مذاهب:

الأول: أنه يقدم الفائتة وإن خرج وقت الحاضرة، هو مذهب مالك وجل أصحابه.

الثاني: أن يبدأ بالحاضرة محافظة على الوقت، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وأكثر أصحاب الحديث.

الثالث: أنه يخير في تقديم ما شاء منهما، وهو قول أشهب من أصحاب مالك، قال عياض: ومحل الخلاف إذا لم تكثر الصلوات الفوائت، فأما إذا كثرت فلا خلاف أنه يبدأ بالحاضرة. انتهى.

هذا بناء على مذهب الجمهور من وجوب قضاء الصلاة الفائتة سواء فاتت عمدا أو سهوا أو جهلا، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 65785.

ثم إن القضاء واجب على الفور فلا يجوز تأخيره مع القدرة عليه، لكنه حسب الطاقة، فيجب بما لا يضر بالبدن أو المعاش، كما أوضحنا ذلك في الفتوى رقم: 70806.

وقد ذكر بعض العلماء أن أقل ما لا يسمى به من عليه فوائت الصلاة مفرطا أن يقضي يومين في يوم، لكن هذا مشروط بعدم التضرر في المعيشة أو البدن ـ كما تقدم ـ قال في الروض المربع: ويجب فورا ـ ما لم يتضرر في بدنه أو معيشة يحتاجها أو يحضر لصلاة عيد ـ قضاء الفوائت مرتبا ولو كثرت. انتهى.

وفي الخرشي على مختصر خليل في الفقه المالكي عند قول المؤلف: وجب قضاء فائتة مطلقا ـ يعني أن الصلاة الفائتة يجب على المكلف قضاؤها فورا سواء تركها عمدا أو سهوا. انتهى.

وفي التاج والإكليل على مختصر خليل أيضا: قال في المدونة: ويصلي فوائته على قدر طاقته، ابن أبي يحيي قال أبو محمد صالح: أقل ما لا يسمى به مفرطا أن يقضي يومين في يوم، ابن العربي: توبة من فرط في صلاته أن يقضيها ولا يجعل مع كل صلاة ولا يقطع النوافل لأجلها، وإنما يشتغل بها ليلا ونهارا ويقدمها على فضول معاشه وأخبار دنياه ولا يقدم عليها شيئا إلا ضرورة المعاش. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني