الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من ارتكب مكفرا جاهلا بحكمه

السؤال

قال علماء نجد إن من مات قبل دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب حكمهم حكم أهل الفترة يمتحنون. فما رأي فضيلتكم في هذا القول؟ أفيدونا بالتفصيل، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما نسبته إلى علماء نجد جميعاً من أنهم يحكمون على كل من مات قبل دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، بأن حكمه حكم أهل الفترة، كلام عار عن الصحة، وذلك أن الخلاف إنما هو في من ارتكب مكفراً جاهلاً بالحكم، وليس في كل من مات قبل دعوة الشيخ، ومن علماء الدعوة المباركة من يعذر مثل هذا، ويحكم له بالإسلام؛ لكونه لم تقم عليه الحجة، وهو قول العلامة ابن عثيمين رحمه الله، ومنهم من يرى أن أمره إلى الله تعالى يحكم فيه بما شاء، فقد سئل ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب عبد الله وحسين رحمهم الله عن حكم من مات قبل ظهور دعوة الشيخ فأجابوا: من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة، فالذي يحكم عليه أنه إذا كان معروفاً بفعل الشرك ويدين به، ومات على ذلك، فهذا ظاهره أنه مات على الكفر، فلا يدعى له، ولا يضحى له، ولا يتصدق عنه، وأما حقيقة أمره فإلى الله تعالى، فإن قامت عليه الحجة في حياته وعاند، فهذا كافر في الظاهر والباطن، وإن لم تقم عليه الحجة في حياته، فأمره إلى الله. انتهى.

فعليك أن تتحرى الدقة فيما تنقله وتنسبه لأهل العلم، فإن الخطب ليس بالهين، وإذا علمت ما قررناه لك، فاعلم أن من ارتكب مكفراً وقامت عليه الحجة، فإنه كافر ولا شك، وإن كان لم تقم عليه الحجة ولم يعلم أن هذا الفعل مخالف للشرع منهي عنه في الدين، فالصواب عندنا أنه محكوم بإسلامه، وأنه معذور عند الله تعالى لجهله بالحكم، وقد قال الله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286}. وقال الله في جوابها: قد فعلت. وقال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ {التوبة:115}. وأدلة هذه المسألة ومناقشتها مما يطول جداً.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كذلك من دعا غير الله وحجّ إلى غير الله؛ هو أيضا مشرك، والذي فعله كفر، لكن قد يكون عالما بأن هذا شرك محرّم، كما أن كثيرا من الناس دخلوا في الإسلام من التتار وغيرهم، وعندهم أصنام لهم صغار من لبد وغيره، وهم يتقرّبون إليها ويعظّمونها، ولا يعلمون أن ذلك محرّم في دين الإسلام، ويتقرّبون إلى النار أيضا، ولا يعلمون أن ذلك محرّم؛ فكثير من أنواع الشرك قد يخفى على بعض من دخل في الإسلام ولا يعلم أنه شرك، فهذا ضالّ وعمله الذي أشرك فيه باطل، لكن لا يستحقّ العقوبة حتى تقوم عليه الحجة. قال تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 22]. انتهى.

وهو واضح كل الوضوح فيما قررناه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني