الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دين الإسلام والسنة النبوية هل هما مخلوقتان

السؤال

هل دين اللَّـه الإسلام مخلوق؟ وهل السنة النبوية الصحيحة مخلوقة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فدين الله تعالى إذا أريد به أمره ونهيه فليس بمخلوق، لأن كلام الله تعالى غير مخلوق، وأما الدين الذي هو بمعنى التدين فهو من جملة أفعال العباد وهي مخلوقة، وكذلك السنة النبوية إذا أريد بها الوحي الذي أوحاه الله إلى نبيه من الحكمة فليست بمخلوقة، وأما صدورها عن النبي صلى الله عليه وسلم والاستنان بها فهذا من جملة أفعال العباد وهي مخلوقة، وقريب من هذا قولنا: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأما صوتنا وحركات ألسنتنا بالقرآن وعملنا به فهذا من جملة أفعال العباد، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 45686، 105255، 3988، 130498.

ومما يدل على أن التدين وقبول العبد لدين الله وميله إليه من خلق الله، قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ {الروم: 30}.

قال ابن حزم في الفصل عن هذه الآية: وهذا برهان جلي على أن الدين مخلوق لله عز وجل .. اهـ.

وبوَّب الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه: باب: لا تبديل لخلق الله ـ لدين الله .. اهـ.

ومن هذا الاستعمال للدين والإسلام بمعنى التدين وإسلام الوجه لله تعالى، سواء أكان الإسلام بمعنى الاعتقاد أو بمعنى الانقياد، قول الرازي في تفسيره: احتج أصحابنا في مسألة خلق الأعمال بقوله: ربنا واجعلنا مسلمين لك ـ فإن الإسلام إما أن يكون المراد منه الدين والاعتقاد، أو الاستسلام والانقياد، وكيف كان فقد رغبا في أن يجعلهما بهذه الصفة: وجعلهما بهذه الصفة لا معنى له إلا خلق ذلك فيهما ... فدل هذا على أن الإسلام مخلوق لله تعالى. اهـ.

والمقصود أنه لا بد من التفريق بين الشرع والقدر، أو بين الخلق والأمر، وهما لله تعالى، كما قال عز وجل: أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ { الأعراف: 54}.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين: هذا شرع الرب تعالى وذلك قدره، وهما خلقه وأمره، والله له الخلق والأمر، ولا تبديل لخلق الله، ولا تغيير لحكمه، فكما لا يخالف سبحانه بالأسباب القدرية أحكامها، بل يجريها على أسبابها وما خلقت له، فهكذا الأسباب الشرعية لا يخرجها عن سببها وما شرعت له، بل هذه سنته شرعا وأمرا، وتلك سنته قضاء وقدرا، وسنته الأمرية قد تبدل وتتغير كما يعصى أمره ويخالف، وأما سنته القدرية فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا، كما لا يعصى أمره الكوني القدري. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني