الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التروي والتعقل مطلوبان في سبيل حل المشاكل الزوجية

السؤال

أنا متزوجة منذ 15سنة, ولم أُقِم مع زوجي طول هذه الفترة؛ لأن ظروفه كانت لا تسمح له أن يسكنني, فهو مقيم خارج البلد, وفي إحدى السنوات تمكن زوجي أن يوفر لي شقة أنا وأطفالي, وقضينا معه سنتين, وبعد السنتين فكرنا أن نرجع إجازة لبلادنا, وفعلاً رجعنا إجازة, وفي أول الأيام حدثت مشكلة بيننا - وكانت مشكلة بسيطة - ولكنها تطورت جدًّا, فقد أساء لي أمام أهله في بيتهم بطريقة لم أستطع تحملها, بل قال إنه طول الفترة التي كنت مقيمة فيها معه لم يذق طعم الراحة ولا السعادة, وكان ذلك أمام أهله, واشتدت الإهانات مني ومنه, وكان يسيء لي بطريقة غير محتملة - والله على ما أقول شهيد - فقلت له: إذا كنت أنا بهذه البشاعة فماذا تريد مني طلقني, ففال لي: سوف أطلقك, ولكن بمزاجي وحين أريد, فلم أحتمل هذه الإهانة منه, وأصررت على الطلاق, وقام بدوره بلفظ كلمة: أنت طالق, وفي اليوم الثاني جئت أنا وأخي وأولادي إلى منزل زوجي؛ لأن أخي يريد أن يرجعني له, وكانت هنالك خلافات قديمة بين زوجي وأخي؛ مما زاد الأمر تعقيدًا, فأصر زوجي على تطليقي أمام أخي, وقال له: أختك طالق طالق طالق, رغم أني راجعت نفسي, وأصررت أن أعتذر له, وأن أطلب منه أن يردني, ولكنه أصر على موقفه, وقام بطردي أنا وأخي وأولادي من منزلهم, وبعدها بأسبوعين علمت من أهله أنه قد سافر وترك لي ورقة الطلاق, ولم يترك لي أي فلس, وبعد شهر أرسل لي مبلغًا يعادل ألف درهم تقريبًا, وكل يوم أرسل له الرسائل؛ لكي يرجع لنفسه ويردني إلى عصمته لأجل أبنائنا ولكنه كان لا يرد, بل قد تمادى في الخصام, وكل من يتصل به ليصلح بيننا يصر على موقفه, أريد أن أعلم هل أنا مذنبة؟ وماذا أفعل وأنا أريد أن أسترجع زوجي وأن أعيش معه على ما يرضي الله؟ علمًا بأنها الطلقة الثانية, وأنا أعترف أني أخطأت في حقه؛ حيث إن سبب الطلاق أنه قد حذرني أن لا أخرج مع إخواني وأخواتي لأي مكان, وأنا فعلاً كنت أنوي فعل ذلك, وفي يوم أصر عليّ إخوتي وهددوني بأني إذا لم أخرج معهم فسوف يقطعون صلتهم بي, وأنا كنت أرفض تمامًا الخروج معهم, فقد عزموني على العشاء - والله على ما أقول شهيد - وكنت مجبرة على الذهاب, وأنا أعلم أني قد أخطأت, وطلبت منه أن يغفر لي, ولكنه رفض, وهذا هو سبب الطلاق, مع العلم أني قد خرجت مجبرة مع إخواني وأخواتي, أرجو منكم أن تفيدوني, أو أن تساعدوني كيف لي أن أرجع إلى زوجي؟
ولكم مني جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الحياة الزوجية لها في الإسلام شأن عظيم، فهي رباط مقدس، وقد سمى الله تعالى عقد الزواج ميثاقًا غليظًا, كما قال تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {النساء:21}، فأمر هذا شأنه لا ينبغي تعريضه للوهن لأتفه الأسباب, وشعائر الله حقها أن تعظم، وحرماته حقها أن تحفظ، قال الله تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ {الحج:32}.

ومن الطبيعي أن تحدث المشاكل والخلافات في الحياة الزوجية، ولكن المشكلة كل المشكلة في عدم التروي وتحكيم العقل في حلها, وإن كان زوجك قد أهانك أمام أهله وأساء إليك فهو مسيء بذلك وآثم، ولكن ما كان ينبغي لك التعجل إلى طلب الطلاق لأجل ذلك، وقد رأيت كيف كان عاقبة ذلك الندم, واستجداء الزوج للرجعة حين أوقع الطلاق.

ومن أفضل ما نوصيك به هو الصبر، فهو العدة عند البلاء، وفيه من الخير الكثير، وراجعي في فضله الفتوى رقم: 18103, ولا بأس بأن تسعي للرجوع لزوجك إن كان ثمة سبيل شرعي لذلك بأن لم تكن هذه الطلقة هي الثالثة، واستعيني في ذلك بالله أولاً ثم بالعقلاء وذوي الحكمة من أهلك وأهل زوجك، فإن أرجعك فذاك المطلوب، وإن رفض فلا تتبعيه نفسك، وقد ييسر الله لك زوجًا غيره، قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}.

وسؤالك بقولك: "هل أنا مذنبة؟" فإن كنت تقصدين من ناحية طلب الطلاق، فإن كان زوجك قد أهانك فعلاً، وتضررت من البقاء في عصمته؛ فذلك مما يسوغ لك طلب الطلاق، وقد بينا ذلك بالفتوى رقم: 37112, وإن كنت تقصدين ردك الإهانة عليه، فإن كان من رد السيئة بمثلها من غير تجاوز للحد فلست مذنبة في ذلك، وراجعي في ذلك فتوانا رقم: 189933.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني