الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ماهية تكليف الملائكة

السؤال

هل الملائكة مسيرون أم مخيرون؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد اختلف الناس في هذه المسألة، قال أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين: اختلف الناس في الجن هل هم مكلفون أم مضطرون، فقال قائلون من المعتزلة وغيرهم: هم مأمورون منهيون قد أمروا ونهوا؛ لأن الله عز وجل يقول: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض ..) وأنهم مختارون, وزعم زاعمون أنهم مضطرون مأمورون، وكذلك اختلافهم في الملائكة وفي أنهم مأمورون أو مختارون على سبيل اختلافهم في الجن. اهـ.
والصواب أنهم مخيرون, إلا أن طبيعتهم لا تقبل الاعتراض؛ لأن الله فطرهم على الطاعة, ولم يخلق لهم الشهوات التي خلقها للبشر، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 33718.

وقال ابن حزم في الملل والأهواء والنحل: قال بعض السخفاء: إن الملائكة بمنزلة الهواء والرياح, وهذا كذب وقحة وجنون؛ لأن الملائكة بنص القرآن والسنن وإجماع جميع من يقر بالملائكة من أهل الأديان المختلفة عقلاء متعبَدون منهيون مأمورون، وليس كذلك الهواء والرياح، لكنها لا تعقل, ولا هي متكلفة متعبدة, بل هي مسخرة مصرفة لا اختيار لها، قال تعالى: {والسحاب المسخر بين السماء والأرض} وقال تعالى: {سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام}, وذكر تعالى الملائكة فقال: {بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}, وقال تعالى: {ويستغفرون لمن في الأرض}, وقال تعالى: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا، يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين} فقرن تعالى نزول الملائكة برؤيته تعالى, وقرن تعالى إتيانه بإتيان الملائكة فقال عز وجل {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة} .. اهـ.
وقال السفاريني في لوامع الأنوار البهية: اختلف في تكليف الملائكة - عليهم السلام - وعدمه، قال العلامة شمس الدين ابن مفلح في كتابه الفروع ما نصه: قال ابن حامد في كتابه: الإنس كالجن في التكليف والعبادات، قال: ومذاهب العلماء إخراج الملائكة من التكليف والوعد والوعيد. انتهى. وتقدم بعض الكلام على الجن. وكذا قال في الفروع قبيل باب الإمامة في كلام أبي المعالي: إن كشف العورة خاليا هي مسألة سترها عن الملائكة والجن، قال: وكلام صاحب المحرر وظاهر كلامهم يجب عن الجن؛ لأنهم مكلفون أجانب، وكذا عن الملائكة مع عدم تكليفهم، لأن الآدمي مكلف، وقد أمر الشارع في خبر بهز بن حكيم بحفظها عن كل أحد إلا من زوجته وأمته وهذا مع العلم بحضورهم. انتهى ملخصًا. ولعل مراده إخراجهم عن التكليف بما كلفنا, لا مطلقًا وإلا فهم مكلفون قطعًا، قال ابن جماعة في شرح بدء الأمالي: المكلفون على ثلاثة أقسام: قسم كلف من أول الفطرة قطعًا وهم الملائكة وآدم وحواء - عليهم السلام -، وقسم لم يكلف من أول الفطرة وهم أولاد آدم، وقسم فيهم نزاع والظاهر أنهم مكلفون من أول الفطرة وهم الجان. انتهى, قلت: الكتاب والسنة ظاهرهما تكليف الملائكة إذ فيه: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6] {ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير} [سبأ: 12] {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} [الأنبياء: 20]، {يخافون ربهم من فوقهم} [النحل: 50]، وقال: {وهم من خشيته مشفقون} [الأنبياء: 28], {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا} [الأنفال: 12] وهذا كله تكليف وناشئ عن التكليف، والأحاديث طافحة بمعنى ذلك. اهـ.
وقال الدكتور عمر الأشقر في كتابه عالم الملائكة الأبرار: إن الملائكة ليسوا بمكلفين بالتكاليف نفسها التي كلف بها أبناء آدم, أما القول بعدم تكليفهم مطلقًا، فهو قول مردود، فهم مأمورون بالعبادة والطاعة .. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني