الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كل من أنفق شيئا يحبه يدخل في الآية: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)

السؤال

اشتريت حذاء جديدًا, وحذائي السابق بحالة ممتازة, فقررت وضعه في حاوية الملابس, فتذكرت قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}, فعلمت أن الموضوع هو مجاهدة نفس في التبرع بالجديد, ومواصلة استعمال القديم, فهل استنتاجي صحيح؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن الطبيعي أن يكون الحذاء الجديد أحب إليك من القديم, فإذا تصدقت به مسترشدًا ومستدلًا بالآية الكريمة فعملك واستنتاجك صحيح - إن شاء الله تعالى -.

وقد روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا, وكانَ أحبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بيْرَحاءُ - وَكَانَتْ مُسْتقْبلة الْمَسْجِدِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ - قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}, وَإِنَّ أحبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بيْرَحاءُ, وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّها وذُخْرَها عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَضَعْها يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ تَعَالَى, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَخٍ، ذَاكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَاكَ مَالٌ رَابِح، وَقَدْ سَمِعْتُ، وَأَنَا أرَى أنْ تجْعَلَهَا فِي الأقْرَبِينَ", فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَسَمها أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.

وقال الطبري في تفسيره لهذه الآية: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: لَنْ تَنَالُوا - أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ - جَنَّةَ رَبِّكُمْ، حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ، يَقُولُ: حَتَّى تَتَصَدَّقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ, وَتَهْوُونَ أَنْ يَكُونَ لَكُمْ مِنْ نَفِيسِ أَمْوَالِكُمْ, ثم روى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قَالَ: "كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ جَارِيَةً مِنْ جَلُولَاءَ يَوْمَ فُتِحَتْ مَدَائِنُ كِسْرَى فِي قِتَالِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَدَعَا بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] فَأَعْتَقَهَا عُمَرُ.

وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة: فالتَّصَدُّقُ بِمَا يُحِبُّهُ الْإِنْسَانُ جِنْسٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ.

فهذه الآثار والنقول تدل على أن الإنفاق مما يحب المرء عام في كل شيء طيب حلال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني