الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لديه باعث قوي للدخول في الإسلام مع التردد بسبب الخلاف بين المسلمين

السؤال

أنا لو سمحتم أريد الدخول في الإسلام، ولكني متردد, ولدي باعث قوي لدخول هذا الدين يراودني كل حين. ومنبع هذا التردد هو سبب كثرة الخلاف في الإسلام قديماً مثلما جرى مع أصحاب الرسول الكريم حتى وصل لدرجة سفك الدماء، وحديثاً مثل ما يجري بين الشيعة والسنة في العالم الإسلامي. وكثرة الخلاف في المذاهب، أي لماذا لا يتم اعتماد مذهب موحد يسير، يطبق على الجميع؟
وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن ييسر لك الدخول في الإسلام، وأن ينير قلبك بالإيمان، ففي الدخول في الإسلام سعادة الدارين، والفوز بالنعيم المقيم في الجنة، والنجاة من الشقاء والعذاب الأليم في النار. والإسلام يحمل في طياته دلائل أنه الدين الحق. وقد أوردنا جملة من هذه الدلائل ببعض الفتاوى نحيلك منها على الأرقام: 54711 - 110696 - 20984. وسبق لنا أيضا بيان الأدلة العقلية والتاريخية على صحة وحفظ القرآن الكريم، في الفتويين: 19694 - 132141. فنصيحتنا لك المبادرة إلى الدخول في الإسلام، فإن الإنسان لا يدري ما قد يعرض له من العوارض، ومنها الموت.

ولا يجوز أن يكون شيء من الأشياء مانعا للمرء من الدخول في الإسلام بعد أن يتبين له أنه الحق، فيلتزمه ولو كان وحده عليه، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {المائدة:105}.

فوصيتنا لك أن تجعل معرفة الحق همك؛ فإنك إذا عرفت الحق عرفت أهله مهما اختلف الناس. والحق في الإسلام مصدره النبعان الصافيان: كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصول الإيمان فيهما واضحة وجلية من الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. فهذه الأمور لم يكن هنالك أي اختلاف فيها بين الصحابة ومن سار على نهجهم بإحسان.

وما أشرت إليه من أمر الخلاف في أمة الإسلام، فإن الخلاف لا تسلم منه أمة من الأمم، ولا تجمع من التجمعات في الغالب، فما زلنا نرى ذلك ونسمعه؛ لاختلاف الناس في عقولهم، وأفهامهم، واختلافهم في أهوائهم ورغباتهم. فالجهل قد يحمل على الخلاف، وكذلك الأهواء وحظوظ النفس، وذلك مما لا يمكن التحكم فيه. هذا مع العلم بأن الإسلام يدعو إلى الوحدة والاعتصام، وينهى عن الفرقة والخصام، ولكن قد يأبى بعض الناس ذلك. ومن هنا لا بد من التفريق بين الدين الحق وبين تصرفات أتباعه، فلا يؤاخذ بتصرفاتهم الخاطئة.

وننبه في الختام إلى الآتي:

التنبيه الأول: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يختلفوا في شيء من أصول دينهم، فقد كانوا في هذا على قلب رجل واحد. وما حدث بينهم من خلاف إنما كان في أمور اجتهادية، يرى كل فريق أنه المحق، ومخالفه يأثم، وأنه يجب عليه قتاله ليرجع إلى الله، وكان بعضهم مصيباً، وبعضهم مخطئاً معذوراً في الخطأ؛ لأنه اجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه. وهذه الخلافات أقرب لما يسميه الناس اليوم بالخلافات السياسية التي قد تختلف فيها وجهات النظر. هذا مع العلم بأنهم كانوا يتحاشون القتال بينهم، ولكن هنالك من الغوغاء من كان يسعى في إثارة الفتنة وإشعال نار الحرب، ومن قرأ التاريخ علم هذه الحقائق.

التنبيه الثاني: أن الخلاف في المسائل الفقهية ليس مذموما؛ إلا إذا ترتب عليه نوع من العصبية المذمومة، أو الشقاق؛ فإن المدارس الفقهية المختلفة مدارس لها اجتهاداتها في إطار ما جاء في الإسلام من نصوص وقواعد. والأمة متفقة على أن مثل هذه المسائل يتبع المسلم ما ظهر له فيها أنه أقرب إلى الحق، ويعذر أخاه إن ظهر له خلاف ذلك؛ لأن الكل متفق على اتباع ما يرى أنه أقرب للحق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني