الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في تلبية وليمة نكاح فيها موسيقى

السؤال

أيهما أهم ترك الموسيقى والابتعاد عنها أم صلة الرحم؟ فعندما تتم عزيمتي مع والدتي وأختي إلى زواج إحدى قريباتي مع وجود الموسيقى، فهل أذهب؟ ولو لم أذهب فسيغضبون مني وربما يقاطعونني وينظرون إلي نظرة الفتاة الرجعية والمتخلفة؟ وهذا الشيء يضايقني، لأنني أريد الذهاب حقًا ولكنني أخشى الإثم بسبب الموسيقى، مع أنني الوحيدة في المنزل التي لا تسمع الموسيقى، ادعوا لي بالثبات وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يثبتك على هداه، وأن يصرف عنك مضلات الفتن، وأما إجابة الدعوة إلى وليمة الزواج فهي مشروعة، وتجب عند عامة العلماء، لكن إن كان فيها منكر كالموسيقى أو غيرها فتحرم الإجابة، إلا إن كان المدعو يقدرعلى تغيير هذا المنكر، قال سبحانه: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {الأنعام:68}.

قال السعدي: يشمل الخائضين بالباطل، وكل متكلم بمحرم، أو فاعل لمحرم، فإنه يحرم الجلوس والحضور عند حضور المنكر الذي لا يقدر على إزالته. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الفقهاء متفقون على أن من دعي إلى وليمة وعلم قبل الحضور بوجود الخمور أو الملاهي وما أشبه ذلك من المعاصي فيها، وهو لا يقدر على إنكار المنكر وإزالته فإنه يسقط وجوب الإجابة في حقه، ثم اختلفوا في جواز حضوره في هذه الحالة، فذهب الشافعية في أظهر الوجهين ـ وهو الصحيح ـ والحنابلة إلى أنه يحرم عليه الحضور، لحديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر، ولأنه يكون قاصدا لرؤية المنكر أو سماعه بلا حاجة، وصرح الحنفية بأن من دعي إلى وليمة عليها لهو إن علم به قبل الحضور لا يجيب، لأنه لم يلزمه حق الإجابة، وقال الشافعية في وجه جرى عليه العراقيون: الأولى أن لا يحضر، ويجوز أن يحضر ولا يستمع وينكر بقلبه، كما لو كان يضرب المنكر في جواره فلا يلزمه التحول وإن بلغه الصوت، واستدلوا على جواز الحضور بأنه ربما أحشمهم حضوره فكفوا وأقصروا، وقد حكي أن الحسن البصري ومحمد بن كعب القرظي دعيا إلى وليمة فسمعا منكرا فقام محمد لينصرف فجذبه الحسن وقال: اجلس ولا يمنعك معصيتهم من طاعتك، ونص الشافعية والحنابلة على أنه إن علم وجود المنكر قبل حضوره فإن كان المنكر يزول بحضوره لنحو علم أو جاه فليحضر وجوبا، إجابة للدعوة وإزالة للمنكر، ولا يمنع الوجوب وجود من يزيله غيره، لأنه ليس للإزالة فقط .اهـ.

وانظري الفتوى رقم: 102825.

فليس من قطيعة الرحم تخلفك عن الوليمة التي بها منكر، ولا يضرك إن كان أصحاب الوليمة سيغضبون منك، فإن من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، جاء في سنن الترمذي: أن معاوية كتب إلى عائشة أم المؤمنين أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه، ولا تكثري علي، فكتبت عائشة إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس. والسلام عليك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني