الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إزالة تعارض بين بعض النصوص الشرعية

السؤال

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة ـ وفي حديت آخر: عن ثوبان ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه ‏وسلم أنه قال: لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة ‏بيضاً، فيجعلها الله عز وجل هباء منثوراً ـ قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم ‏لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ‏ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ـ وقال سبحانه وتعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ {هود: 114} ومعلوم أن محارم الله هو لفظ عام تدخل فيه المعاصي بجميع أنواعها، فكيف يمكن أن يذهب الله بجميع حسناتك ثم يبني لك بيتا في الجنة؟ وكيف بمن صلى في الليل طلبا لمغفرة الله أن يذهب الله بحسناته، علما أن الله هو الغفور الرحيم؟ وكيف لمن عمل الحسنات لتذهب السيئات التي انتهكها عملا بالآية المذكورة أن يذهب بحسناته.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن ما ذكر من النصوص صحيح ولا تعارض بينه، فالمراد بحديث ثوبان ما بيناه في شرح هذا الحديث في الفتوى رقم: 9268، مِن أن مَن يبتعد عن المعصية ويتظاهر بالصلاح مراعاة للناس، وأمام أعينهم، وبمجرد أن يخلو بنفسه ويغيب عن أعين الناس سرعان ما ينتهك حرمات الله، فهذا قد جعل الله سبحانه أهون الناظرين إليه، فلم يراقب ربه، ولم يخش خالقه، كما راقب الناس وخشيهم، وهذه من أبرز صفات المنافقين، كما قال الله تعالى فيهم: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا {النساء:108}.

أما من يجاهد نفسه لترك المعاصي، ويعمل ما استطاع من النوافل بعد أداء الفرائض، ولكنه قد يضعف أحياناً ويرتكب بعض المعاصي والمخالفات من غير مجاهرة ولا إصرار، فإنه غير داخل في ذلك، ويكون ممن وردت فيهم الآية المشار إليها وحديث أم حبيبة المذكور وغيرهما من نصوص الوحي الكثيرة، والله تعالى عدل لا يظلم الناس شيئا، وبالتالي فإنه لا يبطل حسنات عبد مخلص ولا يضيع عمله أو يعاقب من ليس أهلا للعقوبة، لأن ذلك من الظلم المنفي عنه تبارك وتعالى، فقد قال سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {يونس:44}.

وقال تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {الأنعام:160}.

والله تعالى لما وضع للناس الشرائع وبين الحسنات والسيئات ووعد وأوعد فقد جعل ذلك قانونا فصار العدول عنه إلى عقاب من ليس بمجرم ظلما. انتهى بتصرف من كتاب تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور.

وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 9268، 29331، 116839.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني