الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اشغلي فكرك في المهتوف به لا الهاتف

السؤال

سمعت هاتفا عند الفجر يهتف في أذني "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا" إنني مؤمنة بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر ولكن ليس لدرجة من التدين ما الذي يجب أن أفهمه من هذا النداء؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإنه يحتمل أن يكون هذا الهاتف قد صدر من جني يريد لك الخير، وقد ثبت في السنة أن بعض الجن يأمرون الناس بالخير، ويدلونهم عليه صراحة أو إشارة، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير".
وفي صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب سأل رجلاً كان كاهناً في الجاهلية عن أعجب ما جاءته به جنيته، قال: بينما أنا يوماً في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع، فقالت:
ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها بعد إنكاسها
ولحوقها بالقلاص وأحلاسها
قال عمر: صدق.
بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه، فصرخ به صارخ، لم أسمع صارخاً قط أشد صوتاً منه، يقول: يا جليح، أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، قال: فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح رجل فصيح يقول: لا إله إلا الله، فقمت، فما نشبنا أن قيل: هذا نبي، وقوله: بينما أنا نائم من كلام الكاهن.
قال ابن كثير في تفسير سورة الأحقاف: وسائر الروايات تدل على أن الكاهن هو الذي أخبر بذلك عن رؤيته وسماعه. والله أعلم. ا.هـ
وبغض النظر عن كون هذا الهاتف من الجن، أو كونه رؤيا صالحة، أو كونه إلهاماً، أو حديث نفس، أو غير ذلك، فإنه ينبغي لك أن تشغلي نفسك بالتفكير في المهتوف به لا الهاتف، فالمهتوف به آية عظيمة من كتاب الله تعالى، وهي آخر آية من سورة آل عمران.
قال ابن عطية في تفسيره: ثم ختم الله تعالى السورة بهذه الوصاة التي جمعت الظهور في الدنيا على الأعداء، والفوز بنعيم الآخرة، فحض على الصبر على الطاعات وعن الشهوات، وأمر بالمصابرة. ا.هـ
وقال ابن كثير: قال الحسن البصري -رحمه الله-: أُمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم، وهو الإسلام، فلا يَدَعوه لسراء ولا لضراء ولا لشدة ولا لرخاء حتى يموتوا مسلمين، وأن يصابروا الأعداء الذين يكتمون دينهم، وكذا قال غير واحد من السلف.
وأما المرابطة: فهي المداومة في مكان العبادة والثبات، وقيل: انتظار الصلاة بعد الصلاة، قاله ابن عباس وسهل بن حنيف ومحمد بن كعب القرظي وغيرهم.
ا.هـ
وعلى الأخت السائلة ألا تنزعج من مثل هذا، كما أنه ينبغي لها ألا تطمئن له وتركن إليه، لأن الانزعاج منه مدعاة إلى الاضطراب والقلق، والركون إليه سبيل إلى ترك العمل والتواني عنه والتكاسل فيه.
والله نسأل أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني