الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة

السؤال

ذهت إلى دجال أكثر من مرة، وفي كل مرة أذهب إليه تصيبني أمراض شديدة جدا قد تؤدي بي إلى الموت، وفي المرة الأخيرة التي ذهبت فيها إليه أصابتني أمراض شديدة جدا جدا، والآن أعاني من المرض إلى حد الموت مع أنني تبت، وهذا المرض قد يقتلني بسبب ذهابي إلى الدجالين، لأنني بعد ذهابي إليهم أصبت بأمراض في عظامي وحواسي وعدم قدرتي على المشي وأمراض عديدة قد يتوفني الله بسببها فهل لي من توبة؟ وما حكمي إذا مت؟ لأنني ذهبت مع أنني أعلم أن ذهابي سيؤدي بي إلى الهلاك، ولكنني جازفت بصحتي مع أنني في كل مرة أذهب أتوب، ولو مت من هذا المرض، فهل أكون قتلت نفسي؟ وما حكمي في هذه الحالة؟ وماذا أفعل؟ وهل ينطبق علي حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يمل حتى تملوا ـ في هذا الحال؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله لنا ولك العافية والتوبة الصادقة مما سبق، واعلم أن الله سبحانه يبتلي عباده بأنواع من الابتلاء والمصائب، إذا عصوا ربهم فيؤدبهم بالمصائب لعلهم يرجعون، كما قال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30}.
وقال سبحانه: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ {المؤمنون:76}.

والله رحيم بعباده يكرر الابتلاء على العبد لعله يرجع وينيب إليه ويهجر ما حرم الله, ليغفر الله له، كما قال سبحانه: أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ {التوبة:126}.

ومن رحمة الله أن تكون العقوبة على المعاصي في الدنيا لعل النفوس تزكو وتعود إلى الله قبل الموت، قال تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {السجدة:21}.

والتوبة مقبولة من العبد ما لم تبلغ الروح الحلقوم، كما في حديث الترمذي: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.

فإذا أناب العبد وتاب التائب الصادق في توبته، فإن الله تعالى يمحو عنه ـ إن شاء الله ـ آثار الذنب، ففي حديث الحاكم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

ولو تكرر الذنب وتاب مرة أخرى قبل الله منه توبته وهو ـ إن شاء الله ـ داخل فيما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك. رواه البخاري ومسلم، واللفظ له.

وقال النووي في باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة: هذه الأحاديث ظاهرة في الدلالة لها، وأنه لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر، وتاب في كل مرة، قبلت توبته، وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته. اهـ.

هذا، وننصحك أن تبعد عن نفسك التفكير في كونك ستموت من هذا المرض، فإن الآجال محدودة ولن يموت شخص حتى يستكمل أجله ـ كما في الحديث ـ والمرض لا يعجل موتا ولا يؤخر شفاء إلا بإذن الله، وقد قال الشاعر:

وكم من صحيح مات من غير علة * وكم من سقيم عاش حينا من الدهر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني