الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضوابط التكفير باستحلال المعاصي

السؤال

أعلم أن عدم غض البصر حرام، ولكن لو كنت في موقف ما، وظننت أن هذا الموقف يجوز لي فيه النظر لأنه ضرورة، أو أنه استثناء.
فلو كان هذا الموقف في الحقيقة ليس ضرورة، ولكن غلب على ظني أنه كذلك. فهل أعتبر في تلك الحالة قد استحللت محرما، وبذلك أخرج من الملة؟ وأنا لا أتكلم عن غض البصر فقط، بل أتكلم عن المحرمات بصفة عامة، فلو وجدت أن محرما يجوز لي فعله في موقف معين، واعتبرت أن ذلك المحرم يدخل تحت قاعدة: (الضرورات تبيح المحظورات). فهل يعد ذلك استحلالا مخرجا من الملة. مع العلم أني أعتقد أن الله أعلم إن كان هذا الموقف ضرورة أم لا؟
فإن كان ضرورة فليس علي شيء إن شاء الله.
وإن كان غير ذلك فسيحاسبني الله على قدر الفعل الذي فعلته، ولكن لا يدخل الأمر في الكفر. فأي ذنب بالطبع أهون من الكفر.
مع العلم أني أسأل فقط عن مسألة الخروج من الملة بسبب ذلك.
وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن محل التكفير باستحلال المعاصي، هو إذا كان المحرم مجمعا على تحريمه إجماعا قطعيا، وظهر حكمه بين المسلمين. وسبب التكفير بذلك: أن استحلال المحرم فيه تكذيب للشرع، ورد لحكمه.

وشرط التكفير بذلك ألا تكون هناك شبهة، فإن وجدت شبهة فلا يكفر صاحبها.

قال ابن قدامة: ومن اعتقد حل شيء أجمع على تحريمه، وظهر حكمه بين المسلمين، وزالت الشبهة فيه؛ للنصوص الواردة فيه كلحم الخنزير، والزنا، وأشباه ذلك مما لا خلاف فيه، كفر. وإن استحل قتل المعصومين، وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل، فكذلك. وإن كان بتأويل كالخوارج، فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفر ابن ملجم مع قتله أفضل الخلق في زمنه، متقربا بذلك، وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا. وقد روي أن قدامة بن مظعون شرب الخمر مستحلا لها، فأقام عمر عليه الحد، ولم يكفره، وكذلك أبو جندل بن سهيل، وجماعة معه شربوا الخمر بالشام مستحلين لها، مستدلين بقول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا. {المائدة: 93 }. فلم يكفروا، وعرفوا تحريمها، فتابوا، وأقيم عليهم الحد، فيخرج فيمن كان مثلهم حكمهم، وكذلك كل جاهل بشيء يمكن أن يجهله، لا يحكم بكفره حتى يعرف ذلك، وتزول عنه الشبهة، ويستحله بعد ذلك. اهـ.

وقال ابن تيمية: فإن كثيرا من المسائل العملية عليها أدلة قطعية عند من عرفها، وغيرهم لم يعرفها، وفيها ما هو قطعي بالإجماع كتحريم المحرمات، ووجوب الواجبات الظاهرة. ثم لو أنكرها الرجل بجهل، وتأويل، لم يكفر حتى تقام عليه الحجة، كما أن جماعة استحلوا شرب الخمر على عهد عمر منهم قدامة، ورأوا أنها حلال لهم؛ ولم تكفرهم الصحابة حتى بينوا لهم خطأهم، فتابوا ورجعوا. اهـ.

ومن الشبهة التي تمنع التكفير: ظن الشخص أن بعض الأحوال تندرج تحت الضرورة التي يباح فيها المحرم، وليست كذلك.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 171471

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني