الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عين رئيسا لقوات شرطة الجمارك فما حكم وظيفته

السؤال

تم تعييني ضابط شرطة برئاسة قوات شرطة الجمارك، وسمعت الكثير من اللغط حول الجمارك والعمل فيها، علما بأن مجمع الفقه الإسلامي ـ مصدر الفتاوى ـ في البلد الذي أنا فيه قد أصدر فتوى شرعية أباح فيها فرض الجمارك، أفتوني، فأنا في حيرة من أمري، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الأصل في الجمارك المفروضة على المسلمين أنها من المكوس المحرمة، وهي من أكل أموال الناس بالباطل، وقد ورد فيها الوعيد الشديد، فعن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة صاحب مكس. أخرجه أحمد، وصححه ابن خزيمة.

وفي قصة رجم الغامدية ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له. أخرجه مسلم.

قال القرطبي في المفهم: صاحب المكس: هو الذي يأخذ من الناس ما لا يلزمهم شرعًا من الوظائف المالية بالقهر والجبر، ولا شك في أنه من أعظم الذنوب، وأكبرها، وأفحشها، فإنَّه غصب، وظلمٌ، وعَسفٌ على الناس، وإشاعة للمنكر، وعمل به، ودوام عليه. اهـ.

وقال ابن حزم في مراتب الإجماع: واتفقوا أن المراصد الموضوعة للمغارم على الطرق، وعند أبواب المدن، وما يؤخذ في الأسواق من المكوس على السلع المجلوبة من المارة والتجار، ظلم عظيم، وحرام، وفسق، حاشا ما أخذ على حكم الزكاة وحاشا ما يؤخذ من أهل الحرب وأهل الذمة مما يتجرون به من عشر، أو نصف عشر. اهـ.

وذهب بعض العلماء إلى كفر من استحل المكوس، قال الحصني الشافعي فيما يوجب الردة: وَكَذَا من اسْتحلَّ المكوس وَنَحْو ذَلِك مِمَّا هُوَ حرَام بِالْإِجْمَاع .اهـ.

لكن أجاز بعض العلماء أخذها إذا احتيج إليها للمصلحة العامة للناس، ففي رد المحتار: قال أبو جعفر البلخي: ما يضربه السلطان على الرعية مصلحة لهم يصير دينا واجبا وحقا مستحقا كالخراج، وقال مشايخنا: وكل ما يضربه الإمام عليهم لمصلحة لهم، فالجواب هكذا حتى أجرة الحراسين لحفظ الطريق واللصوص ونصب الدروب وأبواب السكك، قال ابن عابدين: وينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يوجد في بيت المال ما يكفي لذلك. اهـ بتصرف.

فلا يجوز العمل في تحصيل الجمارك المحرمة ولا في الإعانة عليها، لقوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.

ومن أعان على معصية فهو شريك لفاعلها في الإثم: فقد لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وقال هم سواء. رواه مسلم.

فلم يجعل الوعيد خاصا بآكل الربا وحده، بل شمل الكاتب والشاهد، لأنهم أعانوا على أكل الربا، وإن كان عملك لا علاقة له بتحصيل الجمارك والإعانة عليه، فإنه جائز، وقد سئل الدكتور عبد الحي يوسف ـ نائب رئيس هيئة علماء السودان، وعضو مجمع الفقه الإسلامي بالسودان ـ عن الجمارك وحكم العمل بها، فأجاب: الجمارك هي الأموال التي تؤخذ ممن جلب بضاعة من بلد إلى بلد، وهي من المحرمات، لقول النبي: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ـ رواه أحمد، بل هي من المكوس التي توعدت الشريعة آخذيها وآكليها... وعليه، فلا يجوز العمل في الجمارك إلا لمن كانت نيته رفع الظلم عن المسلمين أو تخفيفه. اهـ. من موقعه على الشبكة.

لكن إن وجد علماء ثقات في بلدك أفتوا بالرخصة في أخذ الجمارك في دولتك لحاجة البلد إليها وعدم العداون في أخذها، فلك الأخذ بفتواهم، فهم أدرى بحقيقة الحال في بلدك، وإن اشتبه عليك الأمر، فخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام.. الحديث، متفق عليه.

وراجع للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 110579، 27254، 171631، 186809.

واعلم أن من ترك عملا محرما اتقاء الله فسيعوضه خيرا منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيرا منه. رواه أحمد، وصححه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني