الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من يتصدق وعليه ديون

السؤال

أنا سيدة مطلقة أتكلف بأبنائي الثلاثة ومتقاعدة ودخلي متوسط وعلي ديون، وأحب أن أشارك في الأعمال الخيرية، فهل تجوز لي المشاركة وعلي ديون؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرا على حرصك على الخير ورغبتك في التفقه في أمر دينك، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين كما ثبت في الصحيحين من حديث معاوية ـ رضي الله عنه ـ وأما ما سألت عنه: فإن كنت تقصدين بالمشاركة في الأعمال الخيرية التبرع بمالك ـ وهذا هو المتبادر ـ فالجواب أن صدقة التطوع، إذا كانت تُخِلُّ بأداء الديون الواجبة، بحيث لو تصدق المدين لم يبق عنده ما يسدد به دينه، فلا تجوز حينئذ، لأنها تطوع، وأداء الديون واجب، والواجب مقدم على التطوع، قال النووي ـ رحمه الله ـ في المنهاج: ومن عليه دين أو وله من تلزمه نفقته يستحب أن لا يتصدق حتى يؤدي ما عليه، قلت: الأصح تحريم صدقته بما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته، أو لدينٍ لا يرجو له وفاء, والله أعلم. انتهى.

أما إن كان يمكن الجمع بين سداد هذه الديون وإخراج الصدقة، فلا حرج في التصدق والمشاركة في أعمال الخير حينئذ بل فعل ذلك مستحب، هذا مع التنبيه على أن فعل الخير لا يقتصر على مجرد بذل المال، بل سبل فعل الخير وأبواب البر كثيرة لمن وفقه الله إليها، ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ ـ الأغنياء ـ بِالْأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني