الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى كلام الطبري في أهل الجنة"على شيء خص الله به بعضهم، وفضله من كرامته عليه"

السؤال

جاء في تفسير الطبري: "قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد, وغمْرٍ, وعَداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلهموها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خصَّ الله به بعضهم, وفضّله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة" انتهى.
ما الذي يقصده أبو جعفر بقوله: ( شيء خص الله به بعضهم، وفضله من كرامته عليه)؟ وما معنى هذا؟ ومن هم الذين يخصهم الله، ويفضلهم في الجنة؟ لأن تفضيل الدنيا ليس كتفضيل الآخرة، ففي الدنيا إما أن يكون اختبارًا، أو لحكمة يعلمها الله، كأن يفضل العبد على غيره بالمال، أو الجاه، أو الجمال، أو النسب، أو أي شيء دنيوي، أو شيء عظيم، مثل النبوة التي لا يحصل عليها إلا مستحقها، على غير التفضيلات الدنيوية، وهل هناك أعمال توصلنا لهذا؟ وهل المقصود بذلك أنهم خصوا بذلك بسبب أعمالهم، وما كانوا عليه في الدنيا من صلاح، أم ماذا - أقصد مثل: الأنبياء، والصديقين، والشهداء -؟ وبين كل درجة ودرجة من درجات الجنة، وهل هناك أدلة من الكتاب والسنة على أن هناك أناسًا يخصهم الله بشيء، ويفضلهم على الآخرين في الجنة؟ وما هي الأدلة؟ فقد قرأت حديثًا فيه: (إن دخول الجنة بالفضل، والمنازل فيها بالعدل) يعني الجزاء والمنازل بالعدل، وليس الفضل، أرجو منكم التوضيح.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن أهل الجنة يتفاضلون بحسب علو درجاتهم في الجنة، ففي الصحيحين، وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.

وفي الحديث: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة. رواه البخاري. والحديثان يدلان على أن تفاوت المنازل إنما يكون بالعمل، كما قال تعالى: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الأعراف:43}، قال القرطبي: ومعنى أورثتموها بما كنتم تعملون، أي: ورثتم منازلها بعملكم. اهـ.

وهكذا ينبغي أن يفهم كلام الطبري - رحمه الله - فهو يقصد بقوله: "على شيء خص الله به بعضهم، وفضله من كرامته عليه" أي: جزاء بما عملوا في الدنيا، ولا شك أن الله هو الذي تكرم عليهم ابتداء بتوفيقهم للاجتهاد في الصالحات، ثم تكرم عليهم انتهاء بإدخالهم الجنة، فدخول المؤمنين الجنة هو محض فضل من الله تعالى، كما في مسند أحمد وغيره، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما منكم أحد داخل الجنة بعمله، قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه، وفضل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني