الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اختلاف مواقف الناس تصنع شخصية وخلق المسلم

السؤال

في أي مكان وموقف توضع الغلظة والشدة؛ لأننا نجد إنسانا جافا في التعامل، ويبرر ذلك بأن هذه الشدة كانت في عمر رضي الله عنه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن ملامح تربية القرآن الكريم وبنائه لشخصية المؤمن: توجيه كل قوة من قواه النفسية، والبدنية إلى الجهة اللائقة بها، وذلك أن كل إنسان يجتمع فيه: الحب والبغض، واللين والشدة، والرضا والغضب، وهكذا ... فكان توجيه القرآن لهذه الصفات المتباينة إلى الموضع اللائق بها والأنسب لها.

قال الشيخ الشعراوي في تفسيره: القرآن حينما يطبع خلق المؤمن بالله وبالمنهج؛ لا يطبعه بطابع واحد يتعامل به مع كل الناس، بل يجعل طبعه الخلقي مطابقا لموقف الناس منه، فيقول: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} [المائدة: 54]. ويقول أيضا في وصف المؤمنين: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29]. وهكذا لم يطبع المؤمن على الشدة والعزة، بل جعله يتفاعل مع المواقف؛ فالموقف الذي يحتاج إلى الشدة فهو يشتد فيه؛ والموقف الذي يحتاج إلى لين فهو يلين فيه. اهـ.
وقال في موضع آخر: الخالق سبحانه لم يخلق الإنسان رحيما على الإطلاق، ولا شديدا على الإطلاق، بل خلق في المؤمن مرونة تمكنه أن يتكيف تبعا للمواقف التي يمر بها، فإن كان على الكافر كان عزيزا، وإن كان على المؤمن كان ذليلا متواضعا. اهـ.
وقال أيضا: الله تعالى يصف المؤمنين بأنهم {أشداء على الكفار رحماء بينهم} لأنهم يضعون كل غريزة في موضعها، فالشدة مع الأعداء، والرحمة مع إخوانهم المؤمنين، ويقف عند هذه الحدود لا يقلب مقاييسها، ويلتزم بقول الحق سبحانه وتعالى: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين. .} [المائدة: 54] وكأن الخالق عز وجل يسوينا تسوية إيمانية، فالمؤمن لم يخلق عزيزا ولا ذليلا، إنما الموقف هو الذي يضعه في مكانه المناسب، فهو عزيز شامخ مع الكفار، وذليل منكسر متواضع مع المؤمنين. اهـ.

وهذا من حيث الإجمال، وقد سبق لنا بيان أن استعمال الرفق واللين هو الأصل عند المسلم، ولا ينتقل عنه إلا إذا احتاج المقام إليه؛ وراجع في تفصيل ذلك الفتوى رقم: 198373. وعلى هذ يحمل ما ورد عن الفاروق عمر- رضي الله عنه- مما استعمل فيه الشدة، وراجع في تفصيل ذلك الرسالة العلمية للدكتور: عبد السلام بن محسن آل عيسى، وهي بعنوان: (دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية رضي الله عنه).
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني