الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معيار علو درجة الإنسان في الجنة

السؤال

هل الإنسان يعلي درجاته في الجنة بالأعمال الصالحة؟ أم بالإخلاص لله مثل سعد بن معاذ الذي لم يعش بعد الإسلام إلا 6 سنوات، وعند موته اهتز عشر الرحمن؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

أولا: درجة الإنسان في الجنة إنما تعلو بحسن عمله، ولكي يحسن العمل لا بد فيه من تحقق ركني الإخلاص لله والموافقة للسنة، أما الإخلاص: فلأنه إذا فقد فلا وزن للأعمال وإن كثرت، ولمزيد الفائدة عن أثر الرياء على قبول العمل راجعي الفتوى رقم: 13997.

وأما موافقة السنة: فلقوله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. متفق عليه.

قَالَ أَهْل الْعَرَبِيَّة: الرَّدّ ـ هُنَا بِمَعْنَى الْمَرْدُود, وَمَعْنَاهُ: فَهُوَ بَاطِل غَيْر مُعْتَدّ بِهِ. شرح النووي على مسلم.

فالإخلاص ومتابعة السنة هما شرطا قبول الأعمال، وبهما تتفاضل الأعمال والدرجات، قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا {هود:7} ولم يقل: أكثر عملا، بل: أحسن عملا ـ ولا يكون العمل حسنا حتى يكون خالصا لله عز وجل، على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمتى فقد العمل واحدا من هذين الشرطين بطل وحبط.
وعلى ذلك، فالعبرة بحسن العمل لا بكثرة العمل، وانظري الفتوى رقم: 14005.

ثانيا: إذا حسنت الأعمال بتحقق الإخلاص وموافقة السنة فحينئذ يأتي التفاضل بين تلك الأعمال الحسنة، إلا أن ذلك لا يكون بالكثرة فقط، بل باعتبارات عديدة، فقد تتفاضل -مثلا- بحسب أجناسها وأنواعها، وقد سبق الحديث عن أفضل الأعمال في الفتوى رقم: 158421.

وانظري أيضا الفتوى رقم: 12325.

وكذلك تتفاضل الأعمال حسب مشقتها، كما في الحديث، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، قَالُوا: وَكَيْفَ؟ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا، وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إِلَى عُرْضِ مَالِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا. رواه النسائي، وحسنه الألباني.

وانظري الفتوى رقم: 18339.

ثم إن النيات الباعثة على الأعمال ليست بمعزل عما سبق، فعن أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله، ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا، فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما، فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله علما ولا مالا، فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الوزر سواء. رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد، وصححه الألباني.

فدل هذا على أن الفقير ينال أجر الصدقة بنيته وإن لم يتصدق. وأعمال القلوب من الإيمان بمكان، ولا يعلم تفاوت العباد فيها إلا الله، وانظري الفتويين رقم: 124585، ورقم: 131762.

ومما سبق يتبين أن درجة الإنسان في الجنة لا تتوقف على كثرة الطاعة وطول زمانها فحسب، وإنما ثمت معايير عديدة للتفاضل.
ثالثا: بخصوص سعد بن معاذ ـ رضي الله عنه ـ راجعي الفتويين رقم: 38051، ورقم: 96673، وما أحيل عليه فيهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني