الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توفيق العبد للعمل الصالح محض فضل من الله

السؤال

هل للعبد فضل في طاعته؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن للعباد من الفضل بقدر طاعاتهم وأعمالهم الصالحة وصدق نيتهم فيها، وهم يتفاضلون بقدر تنافسهم في الأعمال المقبولة عند الله تعالى، فإن المجاهد في سبيل الله هو أفضل المؤمنين وأعلاهم منزلة في الآخرة، كما في الحديث: إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة. رواه البخاري.

وفي الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الناس أفضل؟ فقال: مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله، قالوا: ثم من؟ قال: مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله، ويدع الناس من شره.

وعن أبي كبشة الأنماري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما فهو يعمل بعلمه في ماله، ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا، فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما، فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله علما ولا مالا، فهو يقول: لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهما في الوزر سواء. رواه ابن ماجه والترمذي وأحمد، وصححه الألباني.

ولكن العبد مهما عمل فإنه يعترف لله تعالى بالفضل من حيث هو الموفق للعمل الصالح ولولا فضله وتوفيقه وعونه لما حصل منه أي عمل، فقد قال الله تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا {النساء:83}

وقال تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {النور:21}.

وقال ابن الجوزي في صيد الخاطر: إذا تم علم الإنسان لم يدلَّ بعمله، إذا تم علم الإنسان لم ير لنفسه عملًا، وإنما يرى إنعام الموفق لذلك العمل، الذي يمنع العاقل أن يرى لنفسه عملًا، أو يعجب به، وذلك بأشياء: منها: أنه وفق لذلك العمل: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ {الحجرات: 7} ومنها: أنه إذا قيس بالنعم لم يف بمعشار عشرها، ومنها: أنه إذا لوحظت عظمة المخدوم، احتقر كل عمل وتعبد، هذا إذا سلم من شائبة، وخلص من غفلة، فأما والغفلات تحيط به، فينبغي أن يغلب الحذر من رده، ويخاف العتاب على التقصير فيه، فيشتغل عن النظر إليه، وتأمل على الفطناء أحوالهم في ذلك: فالملائكة الذين يسبحون الليل والنهار، لا يفترون، قالوا: ما عبدناك حق عبادتك، والخليل ـ عليه السلام ـ يقول: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي {الشعراء: 82} وما أدل بتصبره على النار، وتسليمه الولد إلى الذبح، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما منكم من ينجيه عمله، قالوا: ولا أنت؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته ـ متفق عليه، وأبو بكر ـ رضي الله عنه ـ يقول: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟! وعمر ـ رضي الله عنه ـ يقول: لو أن لي طلاع الأرض ـ ملؤها ـ لافتديت بها من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر ـ وابن مسعود يقول: ليتني إذا مت لا أبعث، وعائشة ـ رضي الله عنها ـ تقول: ليتني كنت نسيًا منسيًا ـ وهذا شأن جميع العقلاء، فرضي الله عن الجميع. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني