الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جوامع في الزواج والأزواج والحور العين في الجنة

السؤال

أثق بموقعكم كثيرا وأتمنى أن أجد الجواب الشافي الذي طالما بحثت عنه، لقد كتبت لكم العديد من المرات إلا أنني في كل مرة لا أوفق في إرسال رسالتي، فسؤالي عن الحور العين: فهل هن أجمل من نساء الدنيا التي دخلن الجنة برحمة الله أولا، ثم بعملهن الصالح وصبرهن على أزواجهن وعلى تربية أولادهن وعلى قسوة المجتمع، وعبدن الله وصلين وصمن وربين أجيالا؟ وهل هؤلاء أفضل أم الحور العين اللاتي لم يخلقن إلا للرجال ولشهوتهم الحيوانية ولمتعتهم، ولم يعملن ولم يتعبن للوصول إلى الجنة؟ وهل يجب أن تتزوج المرأة بزوجها الذي كانت تبغضه في الدنيا وكان يحملها ما لا تطيق ويضربها ويهينها؟ ستقولون لي إن الصفات السيئة ستنزع من قلوب المؤمنين، أنا شخصيا أكره الشخص لشخصه لا لصفاته، أي أنني إذا كرهت شخصا سأظل أكرهه حتى لو أصبح تعامله معي أفضل تعامل، فهل يجب عليها الزواج من ذاك الزوج؟ وهل بالضرورة أن يزوج كل من يدخل الجنة؟ قرأت في عديد من الفتاوى عندكم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس في الجنة أعزب، فهل هو حديث صحيح؟ هب أنني أكره الزواج والعلاقة الزوجية وأشمئز منها ـ وأنا كذلك ـ فليست كل فتاة تحب الزواج، وذلك مبتغى الرجال فقط، لأنهم يريدون إخماد شهوتهم فحسب، فهل الزواج في الجنة محتوم على كل إنسان؟ ففي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فهل يمكنني تمني شبان حسان مجردين من الشهوة يمتدحونني ويمتدحون جمالي ويمطرون علي الكلام المعسول؟ ربما ستقولون لي بأن جل مبتغى المرأة زوج واحد وأن نساء الجنة غضيضات الطرف لا يرين غير أزواجهن، صحيح أن الفتاة لا تقوى على معاشرة أكثر من رجل واحد إلا أنها لن تمل من آلاف يمتدحونها من الرجال، وأما كونهن قاصرات الطرف، أوليس ذلك للحور العين دون نساء الدنيا؟ لا أقصد بما كتبت في سؤالي أن الله غير عادل، لا، معاذ الله! ولا يظلم ربك أحدا ـ وأنا موقنة تماما بأن الله هو العدل وأنه الحكيم الذي له حكمة في تصرفاته لا يعلمها إلا هو سبحانه، إنما هي أسئلة دارت في ذهني ولم أجد لها أجوبة، وربما اختص بأجوبتها سبحانه لنفسه في علمه الذي لا يعلمه إلا هو، أرجو ألا تؤاخذوني إن كنت قد بالغت في بعض الأمور، ولكنني ما زلت صغيرة في 13 وقد علمت حديثا بتلك الأمور، وبالطبع أعلم أنه من الأفضل لي أن أنشغل بالعمل الذي يوصلني إلى الجنة بدل هذه الأمور، ولكن النفس تشتاق إلى الجنة وتحب أن تعرف ماذا خبئ لها.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإننا أولا نشكرك على إعجابك بموقعنا ونسأل الله سبحانه أن يرزقنا وإياك الاستقامة على الحق والثبات عليه وأن يجعلنا من الوارثين للجنة هم فيها خالدون بمنه وكرمه سبحانه، إنه سميع مجيب، وأما عن المفاضلة بين الحور العين ونساء الدنيا في الجنة: فقد سُئِلَ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل الأوصاف التي ذكرت للحور العين تشمل نساء الدنيا؟ فأجاب: الذي يظهر لي أن نساء الدنيا يكنَّ خيراً من الحور العين، حتى في الصفات الظاهرة. والله أعلم.

وأما الحديث الذي يدل على أنه ليس في الجنة أعزب فهو حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب.

فلكل امرأة في الجنة زوج، وعلى هذا فلا يمكن أن تتمنى المرأة ما ذكرت من الشبان الحسان يمتدحونها بدلا من الزواج، والمرأة في الجنة تكون زوجة لمن كانت زوجة له في الدنيا مهما كان بينهما من شحناء، ما دامت في عصمته حتى الممات، وإذا ماتت بغير زواج زوجها الله من شاء، والجنة لا تقاس أمورها على الدنيا، ولا طائل من الكلام في أمر محسوم أو حتى مجرد التفكير فيه، فعلى المؤمن والمؤمنة أن يصرف همته إلى ما ينفعه من أمر دينه ودنياه ويجتهد فيما يكون سببا في دخوله الجنة بدلا من التفكير في مثل هذا، وللأهمية راجعي الفتوى رقم: 243739.

ووصف قاصرات الطرف وصف عام لنساء الجنة من الحور العين، أو من نساء الدنيا، قال الله تعالى: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ {الرحمن:56}.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي غضيضات الطرف عن غير أزواجهن، فلا يرين شيئا في الجنة أحسن من أزواجهن.

والزواج من أمور الخير التي ينبغي المسارعة إليها، قال تعالى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ {البقرة:148}.

وفيه كثير من المصالح والمقاصد الشرعية، وقد سبق ذكر بعضها في الفتوى رقم: 196003.

وقد أوضحنا فيها أيضا أن الإعراض عن الزواج بالكلية مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قد يكون واجبا أحيانا، فراجعي للأهمية هذه الفتوى والأرقام المحال عليها فيها، هذا بالإضافة إلى أن الزواج أمر فطري وغريزي في الإنسان، فالنفور منه أمر غريب وغير عادي ينبغي البحث عن أسبابه والعمل على علاجها بكل سبيل مشروع من الدعاء والرقية الشرعية ومراجعة الثقات وذوي الخبرة من الأطباء النفسيين ونحو ذلك، فمن الناس من يكون قد عرض له نموذج سيئ لزوجين رأى منهما العنف والنشوز وسوء المعاملة مما جعله يبغض الزواج.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني