الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقوال العلماء في خاتم النبوة

السؤال

هل كان خاتم النبوة موجودا في ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عند ولادته؟ أم أنه وضع على ظهره من بعد ولادته حينما شق صدره؟ وهل صحيح أن يهوديا كان يعيش في مكة رأى خاتم النبوة في ظهر النبي صلى الله عليه وسلم حينما سمع بولادته صلى الله عليه وسلم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فللعلماء خلاف في ذلك، فقد جاء في فتح الباري لابن حجر:... ومقتضى هذه الأحاديث أن الخاتم لم يكن موجودا حين ولادته ففيه تعقيب على من زعم أنه ولد به، وهو قول نقله أبو الفتح اليعمري بلفظ: قيل ولد به، وقيل حين وضع، نقله مغلطاي عن يحيى بن عائذ، والذي تقدم أثبت، ووقع مثله في حديث أبي ذر عند أحمد والبيهقي في الدلائل وفيه: وجعل خاتم النبوة بين كتفي كما هو الآن ـ وفي حديث شداد بن أوس في المغازي لابن عائد في قصة شق صدره وهو في بلاد بني سعد بن بكر: وأقبل وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه ـ الحديث، وهذا قد يؤخذ منه أن الختم وقع في موضعين من جسده، والعلم عند الله.

واختار الزرقاني أن وضع الخاتم تكرر، فقال في شرح المواهب اللدنية: واختلف في جواب قول السائل: هل ولد وهو به أو وضع بعد ولادته على قولين؟ فقيل: ولد به، نقله ابن سيد الناس، ورده في الفتح بأن مقتضى الأحاديث السابقة أن الخاتم لم يكن موجودًا حين ولادته، قال: ففيها تعقب على من زعم أنه ولد به، واختلف القائلون بالثاني، فقيل: حين ولد، نقله مغلطاي عن يحيى بن عائذ، وورد به حديث ابن عباس عند أبي نعيم وغيره وفيه نكارة، قيل: عند شق صدره وهو في بني سعد، وورد في حديث عتبة بن عبد عند أحمد والطبراني، وقطع به عياض.

قال الحافظ: وهو الأثبت، وفي حديث عائشة المار قريبًا أنه عند المبعث، وعند أبي يعلى وابن جرير الحاكم في حديث المعراج من حديث أبي هريرة: ثم ختم بين كتفيه بخاتم النبوة، وطريق الجمع أن الختم تكرر ثلاث مرات في بني سعد، ثم عند المبعث، ثم ليلة الإسراء، كما دلت عليه الأحاديث، ولا بأس بهذا الجمع، فإن فيه إعمال الأحاديث كلها، إذ لا داعي لرد بعضها وإعمال بعضها، لصحة كل منها، وإليه أشار الشامي ـ كما مر ـ وأما رواية بعد الولادة فضعيفة، وأما أنه ولد به فضعيف أيضًا يطلب زاعمه، بدليله. انتهى.

وأما بخصوص قصة اليهودي، فقد قال السيوطي في الخصائص: أخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ يَهُودِيّ قد سكن مَكَّة يتجر بهَا فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي ولد فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي مجْلِس من قُرَيْش يَا معشر قُرَيْش هَل ولد فِيكُم اللَّيْلَة مَوْلُود؟ فَقَالَ الْقَوْم وَالله مَا نعلمهُ، قَالَ احْفَظُوا مَا أقول لكم: ولد هَذِه اللَّيْلَة نَبِي هَذِه الْأمة الْأَخِيرَة بَين كَتفيهِ عَلامَة فِيهَا شَعرَات متواترات كَأَنَّهُمْ عرف فرس لَا يرضع لَيْلَتَيْنِ وَذَلِكَ أن عفريتا من الْجِنّ أَدخل إصبعه فِي فَمه فَمَنعه الرَّضَاع فتصدع الْقَوْم من مجلسهم وهم يتعجبون من قَوْله، فَلَمَّا صَارُوا إِلَى مَنَازِلهمْ أخبر كل إنسان مِنْهُم أَهله، فَقَالُوا: قد ولد لعبد الله بن عبد الْمطلب غُلَام سموهُ مُحَمَّدًا، فَالتقى الْقَوْم حَتَّى جَاءُوا الْيَهُودِيّ فأخبروه الْخَبَر، قَالَ فاذهبوا معي حَتَّى أنْظُر إليه، فَخَرجُوا بِهِ حَتَّى أدخلوه على آمِنَة، فَقَالَ: اخْرُجِي إِلَيْنَا ابْنك، فأخرجته وكشفوا لَهُ عَن ظَهره فَرَأى تِلْكَ الشامة، فَوَقع الْيَهُودِيّ مغشيا عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاق قَالُوا: وَيلك مَا لَك! قَالَ: وَالله ذهبت النُّبُوَّة من بني إسرائيل أفرحتم بِهِ يَا معشر قُرَيْش؟ أما وَالله ليسطون بكم سطوة يخرج خَبَرهَا من الْمشرق إِلَى الْمغرب. انتهى.

وهذه القصة حسنها الحافظ ابن حجر في الفتح، وعزاها إلى يعقوب بن سفيان، وقال الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف بعد إيرادها: وهذا الحديث يدل على أنه ولد بخاتم النبوة بين كتفيه.

وخاتم النبوة: من علامات نبوته التي كان يعرفه بها أهل الكتاب ويسألون عنها ويطلبون الوقوف عليها، وقد روي: أن هرقل بعث إلى النبي بتبوك من ينظر له خاتم النبوة ثم يخبره عنه، وقد روي من حديث أبي ذر وعتبة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الملكين اللذين شقا صدره وملآه حكمة هما اللذان ختماه بخاتم النبوة ـ وهذا يخالف حديث عائشة هذا، وقد روي أن هذا الخاتم رفع بعد موته من بين كتفيه، ولكن إسناد هذا الخبر ضعيف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني