الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تحريم الاستمناء مبني على الدليل الشرعي لا على مجرد الضرر الطبي

السؤال

قال عمرو بن دينار: ما أرى بالاستمناء بأسًا. وقال أبو الشعثاء قال: هُوَ مَاؤُكَ فَأَهْرِقْهُ. ويروى عن ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قال: وَمَا هُوَ إِلا أَنْ يَعْرُكَ أَحَدُكُمْ زُبَّهُ حَتَّى يُنْزِلَ مَاءً ـ وجاء عنه قوله كذلك: إن نكاح الأمة خير من هذا، وهذا خير من الزنا. وقال أحمد بن حنبل: المني إخراج فضلة من البدن، فجاز إخراجه. أما ابن حزم: فقد بنى إباحة نكاح الرجل ليده على مقدمتين: أولاهما: أن ذلك يتم بلمس الرجل لذكره، أن يتعمد بذلك إنزال المني، فالمقدمة الأولى مباحة بإجماع، والمقدمة الثانية مباحة أيضًا؛ لأنه لم يزد على المباح في الأمر الأول إلا تعمد إنزال المني، فليس ذلك بالحرام أصلًا؛ لقول الله: وقد فصل لكم ما حرم عليكم ـ وليس هذا مما فصل، فهو حلال؛ لقول الله: خلق لكم ما في الأرض جميعًا ـ وليس هذا مما فصل تحريمه، كما يقول ابن حزم، فهو حلال، إلا أنه يعتبره مكروهًا؛ لأنه ليس من مكارم الأخلاق، ولا من الفضائل، ورغم إقرار الشوكاني في رسالته بجواز الاستمناء بشكل مطلق حتى في غياب الزوجة، إلا أنه عاب هذا الفعل بقوله: لا شك أن هذا العمل هجنة، وخسة، وسقوط نفس، وضياع حشمة، وضعف همة، فما صحة هذه الأقوال المنسوبة لهؤلاء الأشخاص وسندها الصحيح لهم؟ وإن صح قول بعضهم، أو جميعهم، فما ردكم على أدلتهم وقولهم؟ مع العلم أنني لست مقتنعًا بالأدلة التي بنيتم عليها أدلتكم من حيث السياق، فقد بنيتم على هذه الآية: والذين هم لفروجهم حافظون ـ فسياق الآية يتكلم عن تفريغ شهوة الفرج بنكاح إذا كان برجل أو بامرأة لم يحلها الشرع، ولم يثبت دليل قطعي يثبت حرمة هذه العادة من آية، أو حديث بين، فحكمها الإباحة حتى يأتي ما يحرمها من أسباب أخرى، وقد ثبت في الطب الحديث أن العادة السرية تسبب أمراضًا مزمنة، وأعراضًا مؤقتة أخرى لها، فالأمراض المزمنة إتلاف خلايا المخ، وعدم القدرة على الزواج، وسرعة القذف، وهذه الأمراض تأتي نتيجة الإدمان عليها، وليس من مرة أو مرتين، وأعراض فعلها هي: الإرهاق، والشعور بالخور في القوة نتيجة فعلها، فلو فرضنا أن الأمراض التي تضر ضررًا حقيقيًا بالإنسان تأتي بعد تجاوز حد ممارستها الذي يسبب تلك الأمراض، فلو أن الأطباء أثبتوا أن ممارستها في السنة 12 مرة لا تسبب أضرارًا فلا بأس حينها، فما قولكم في هذا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمعتمد في مذهب أحمد التحريم، كما بينا في الفتوى رقم: 4536، بل هو مذهب جمهور الأمة، كما بينا في الفتوى رقم: 7170.

ونحن لم ندَّعِ إجماعًا في المسألة، ولكن ما ذكرناه هو قول للجمهور، ونقلنا بعض أقوال المخالفين في الفتوى رقم: 27578.

وأما صحة هذه الأقوال: فيقول ابن حزم في المحلى: الْأَسَانِيدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ فِي كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَغْمُوزَةٌ، لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ صَحِيحَةٌ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ صَحِيحَةٌ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعَنْ زِيَادٍ أَبِي الْعَلَاءِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ. انتهى.

والاستدلال بالآية على التحريم صحيح، وممن استدل بها مالك، والشافعي، وانظر ذلك مفصلًا مع جواب بعض الشبهات في الفتوى رقم: 23868.

وراجع للفائدة: تحفة الشاب الرباني في الرد على الإمام الشوكاني للشيخ مقبل بن هادي الوادعي، ونحن لم نعتمد في التحريم على مجرد الدليل الطبي، بل على أدلة شرعية، كالآية الكريمة؛ ولذلك لو فرضنا أن الطب قرر أنه لا ضرر في ممارستها 12 مرة، أو نحو ذلك ، فيبقى الحكم على التحريم للأدلة الشرعية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني