الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجب اعتقاد أن كل نسخ الإنجيل والتوراة كتبت بعد موت رسول الله؟

السؤال

هل يجب علينا المسلمين أن نعتقد أن كل نسخ الإنجيل والتوراة القديمة والحديثة الموجودة اليوم عند النصارى كتبت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فالنصارى يقولون: إن النسخ القديمة كتبت قبل ولادة النبي صلى الله عليه وسلم بقرون؛ لأنها لا تذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وما كلام العلماء في هذه المسألة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه لا يجب على المسلمين اعتقاد شيء لم يقم عليه دليل من نصوص الشرع، وما ذكر من كون النسخ كلها كتبت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم يكذبه ما ثبت من كون اليهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت عندهم أشياء من التوراة؛ ولذا قال الله متحديًا لهم: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {آل عمران:93}، وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أن اليهود جاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى عليه وسلم فرجما.

وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يذكر في كتب أهل الكتاب فهو كذب سببه التحريف الذي عمله المحرفون من الأحبار، فقد جاءت الكتب السماوية السابقة مبشرة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبقدومه، وبين الله في القرآن الكريم أن اسمه صلى الله عليه وسلم وصفته وأماراته مكتوبة في الكتب السابقة، فقال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة:146]، وقال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ [لأعراف:157]، وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [الصف:6].

قال شيخ الاسلام ابن تيمية: ثم العلم بأن الأنبياء قبله بشروا به يعلم من وجوه:

أحدها: ما في الكتب الموجودة اليوم بأيدي أهل الكتاب من ذكره، وقد استخرج غير واحد من العلماء من الكتب الموجودة الآن في أيدي أهل الكتاب من البشارات بنبوته مواضع متعددة، وصنفوا في ذلك مصنفات.

الثاني: إخبار من وقف على تلك الكتب، وغيرها من كتب أهل الكتاب - ممن أسلم، ومن لم يسلم - بما وجدوه من ذكره فيها، وهذا مثل ما تواتر عن الأنصار أن جيرانهم من أهل الكتاب كانوا يخبرون بمبعثه، وأنه رسول الله، وأنه موجود عندهم، وكان هذا من أعظم ما دعا الأنصار إلى الإيمان به لما دعاهم إلى الإسلام، حتى آمن الأنصار به، وبايعوه من غير رهبة ولا رغبة؛ ولهذا قيل: إن المدينة فتحت بالقرآن، لم تفتح بالسيف، كما فتح غيرها، ومثل ما تواتر عن إخبار النصارى بوجوده في كتبهم مثل إخبار هرقل ملك الروم، والمقوقس ملك مصر، صاحب الإسكندرية، والنجاشي ملك الحبشة، والذين جاؤوه بمكة، وقد ذكر الله ذلك في القرآن في قوله عن اليهود:{وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} [البقرة: 89]. وقال عن النصارى:{وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} [المائدة: 83]. وقوله:{الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا} [القصص: 52-53]. وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب كفروا به، وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال معاذ بن جبل، وبشر بن البراء بن معرور، وداود بن سلمة: يا معشر يهود، اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك، وتخبرونا بأنه مبعوث، وتصفونه بصفته، فقال سلام بن مشكم، أخو بني النضير: ما جاءنا شيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم، فأنزل الله تعالى: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين} [البقرة: 89]. اهـ بتصرف.

وقد ذكر الشيخ عبد المجيد الزنداني في كتابه: (البشارات بمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية السابقة) أن إنجيل برنابا في الباب 22 جاء فيه: وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله. انتهى.

وجاء في سفر أشعيا: إني جعلت اسمك محمدًا يا محمد، يا قدوس الرب: اسمك موجود من الأبد. انتهى.

وجاء في سفر حبقوق: إن الله جاء من التيمان، والقدوس من جبل فاران، لقد أضاء السماء من بهاء محمد، وامتلأت الأرض من حمده. انتهى.

كما جاء في سفر أشعيا: وما أعطيته لا أعطيه لغيره، أحمد يحمد الله حمدًا حديثًا يأتي من أفضل الأرض، فتفرح به البرية، ويوحدون على كل شرف، ويعظمونه على كل رابية. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني