الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجوز أن ينوي العبد التعبد لله بكل أعماله، ثم يحاول تصحيح النية؟

السؤال

هل يجوز أن ينوي العبد التعبد لله بكل أقواله وأفعاله، ثم يحاول جاهدًا أن يصحح النية في كل عمل حتى يكون لله؟ أم إن هذا قد يوقعه في البدع، أو الكذب على الله في بعض الأعمال؟ أم الأفضل أن يكون صادقًا مع الله، فلا ينوي التقرب إليه إلا بما لا يشك في كونه قربة خالصة لوجهه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان المقصود السؤال عن كل فعل على حدة، بمعنى أن ينوي العبد التقرب إلى الله تعالى بكل ما لم يحرم، أو يكره من قول، أو فعل عند قيامه به، ويجاهد في تصحيح النية لكي يكون عمله ذلك خالصًا لوجهه سبحانه وتعالى، لا تشوبه شائبة رياء، فهذا هو المطلوب شرعًا، وليس فيه ابتداع، أو كذب على الله، بل هو عين ما تعبد الله به العباد، قال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ {البينة:5}.

وإن كان المقصود السؤال عما إذا كان يصح للشخص فعل ذلك للمستقبل، بمعنى أن ينوي الإخلاص بجميع أقواله وأفعاله في المستقبل، ثم يحاول جاهدا تصحيح، واستحضار النية عند كل عمل... فهذا يصح أيضًا، وفي الأمور التعبدية ينتفع الشخص بتلك النية في أنه إذا عجز عن فعل بعض تلك الأمور كتب له ما كان يفعله منها، قال ابن بطال تعليقًا على حديث البخاري: إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا ـ وليس هذا الحديث على العموم، وإنما هو لمن كانت له نوافل، وعادة من عمل صالح فمنعه الله منها بالمرض، أو السفر وكانت نيته لو كان صحيحًا، أو مقيمًا أن يدوم عليها، ولا يقطعها، فإن الله يتفضل عليه بأن يكتب له أجر ثوابها حين حبسه عنها. اهـ.

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: فالمتمني للخير، الحريص عليه، إن كان من عادته أنه كان يعمله، ولكنه حبسه عنه حابس، كتب له أجره كاملاً، فمثلاً: إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي مع الجماعة في المسجد، ولكنه حبسه حابس، كنوم أو مرض، أو ما أشبهه فإنه يكتب له أجر المصلي مع الجماعة تماماً من غير نقص، وكذلك إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي تطوعاً، ولكنه منعه منه مانع، ولم يتمكن منه، فإنه يكتب له أجره كاملاً، وكذلك إن كان من عادته أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، ثم عجز عن ذلك، ومنعه مانع، فإنه يكتب له الأجر كاملاً، وغيره من الأمثلة الكثيرة، أما إذا كان ليس من عادته أن يفعله، فإنه يكتب له أجر النية فقط، دون أجر العمل. اهـ.

وأما الأمور غير التعبدبة: فلم نقف على شيء صريح فيها، ولا يستبعد أن من كانت عادته نية الإخلاص لله في جميع أفعاله ـ سواء منها المتمحض للعبادة، كالصلاة والصيام، أم غير المتمحض لها، كالنفقة على العيال، وقضاء الدين.. ثم فعل شيئًا من هذا النوع الأخير دون نية سهوًا أن الأجر يكتب له كما لو نوى، وللعالم الشنقيطي حبيب ولد الزايد شيخ بداه ولد البوصيري ـ رحمهما الله ـ أبيات جميلة في هذا المعنى، حيث يقول:

أول يومك انو أن لا تعملا * إلا بما يرضي إلهك عـلا

فإن تكن قرنت ذا بالعمل * فهو الكمال وإذا لم تفعل

رجي أن يكفيـك ما تقدما * من حسَن النية عند العلـماء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني