الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يجوز استعمال الوسائل المحرمة في الدعوة إلى الله

السؤال

لي صديق مسلم غيور على الإسلام والمسلمين، وقد أغضبه ما كان يشاهد من صفحات جنسية تشوه صورة الحجاب والنقاب من قبل أعداء الإسلام، ولم يكن يصلي أصلا، فأقبل على إنشاء صفحات إباحية لإظهار الفاحشة في أعداء الإسلام ممن يحاربون الحجاب، حتى يردعهم، وكان ذلك باسم مستعار على أنه منهم (غير مسلم)، كما كان يقول أنا اسمى فلان أو فلان (اسم من أسماء المسلمين) الذي كان يعتبره صديقي فضيحة للمسلمين وتشويها لهم، وكان في تلك الفترة من المعاصي يتراسل مع بعض المنافقين كما أخبرته أنا أنهم منافقون، فمنهم من كان مسلما ديوثا فيتكلم معه صديقي على أنه مسيحي حتى يكشف له الديوث أسرار بيته وزوجته وجسم زوجته، ومنهم من كان مسيحيا يحب أن يكون عبدا كافرا بالمسيحية أيضا، وكان صديقي يريد أن يستهزئ به وبدينه، بغرض صد هذا المشرك عن دينه، وذات مرة أمره صديقي أن يصلي صلاة مسيحية اسمها صلاة الشكر لشيء بغيض، وأن يستبدل كلمة الله بهذا الشيء البغيض، وكان يأمره أن يفعل أشياء مهينة للصور الدينية لهذا المشرك، وأخبرني صديقي أنه كان يسب المحجبات حين يتكلم مع المنافقين والمشركين والمرتدين، وقد أخبرني عن نيته وقتها أنها كانت مرة لاستفزاز ذلك المنافق حتى يعرف دينه الفعلي، ومرة أخرى إظهار كره من ليس على الإسلام.
وقد جاءني وهو مدمر نفسيا ونادم على ما فعل، وشعرت أنه موسوس، وأنه متمسك بقول الله تعالى: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، ويظن أنه وقع فى الشرك الأعظم، فأخبرته أن الله يغفر الذنوب جميعا، وأن للمرتد توبة، طبقا لقول الله تعالى: كيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ (88) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ، وأن نيته حين أمر المشرك بالصلاة المسيحية لغير الله لم تكن الشرك، وإنما استهزاء بدينه كرها لهم، ولكنه ليس مطمئنا، لأنه يعتبر نفسه خاض مع المشركين وادعى دينا غير دينه، وأنه سب المسلمات، فأخبرته أنه كان بالفعل مرتد ثم عاد للإسلام وندم على ما فعل بعمد وغير عمد، وأن الله سيتقبل توبته بإذن الله، إلا أني لا أعرف حقيقة ما أفتيته بالفعل، وأن الله قد يسامح في حق نفسه، وأما حق ظلم العباد فإنه لا يسامح في سبه للمسلمات الذي كان بنية الشهوة وليس إظهارا لكره غير المسلمين أو نيته توضيح فكرته، فهل تقبل توبة صديقي أم لا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحمد لله أن وفق صديقك لإرادة التوبة، والندم، ونسأل الله أن يتقبل منه.

وقد تحرك هذا الأخ غيرة لدينه، ولكنه أخطأ التصرف، فلا يجوز استعمال الوسائل المحرمة في الدعوة إلى الله، وانظر الفتوى رقم: 98030 ، ولا يُنصر الدين بنشر العري، والفجور، والقذف، ونحو ذلك؛ قال تعالى: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف:28}، وإذا كان هذا العمل يؤدي إلى سب الإسلام أو نبيه فإنه لا يجوز لسبب آخر، وهو: سد الذريعة، فقد نهى الله عز وجل عن سب أصنام المشركين حتى لا يؤدي ذلك إلى سب الله عز وجل، فقال تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ {الأنعام:108}، والواجب على صاحبك التوبة مما فعل.

وأما حصول الردة بما ذكرت، ففيه نظر؛ فإن ظاهر حاله أنه حاكاهم في الأفعال، لا أنه صلى صلاتهم، ولو كان أتى بشيء من الكفر اختياراً؛ فالواجب التوبة من الردة، وما كان لك أن تحكم عليه بالكفر إلا بعد التبين، فالكلام في هذا الباب خطير، وانظر الفتوى رقم: 721 ، وسب المحجبات والسخرية منهن مما لا يُشك في تحريمه، فالواجب التوبة من سبهن، وذكرهن بخير في المجالس، وانظر للفائدة الفتويين: 254236 - 159901 ، وهذا الندم من صاحبك محمود، ما لم يفض إلى حد القنوط واليأس، ونسأل الله أن يقبل توبته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني