الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعاء بالشفاء من مرض عضال ليس من الاعتداء

السؤال

أولا: أحب أن أشكركم على موقعكم الهادف -أثابكم المولى-.
أنا فتاة أبلغ من العمر 18 سنة، أصبت بمرض جلدي مزمن -أي: دائم- لم يتوصل الطب لعلاجه، فهل بإمكاني الدعاء بالشفاء -أخشى أن يكون اعتداء-؟ خاصة وأن الخلل أصاب العروق والجلد، وإذ كان ذلك مباحًا فكيف أدعو الله حتى يستجيب لي بسرعة؟ وما صحة دعاء صلاة الحاجة: (يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه...)؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك مما أصابك، ولا شك أن الله -عز وجل- أمر بالدعاء، ووعد بالإجابة، ونهى عن الاعتداء في الدعاء، فقال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ {غافر:60}، وقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ {البقرة:186}، وقال: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {الأعراف:55}.

ومعنى الاعتداء في الدعاء: مجاوزة الحد فيه، وذلك بسؤال الله تعالى ما لا يجوز شرعًا من الإثم، وقطيعة الرحم، أو عادة بما يخالف سنن الله في الكون، كما سبق بيانه وتفصيله في الفتوى رقم: 179925، والفتوى رقم: 23425.

وبناء عليه؛ فإن سؤالك الشفاء من الله تعالى ليس فيه أي اعتداء في الدعاء، بل هو مباح، بل ومأمور به، كما سبق في الآيات الكريمات، وقد قال تعالى -حكاية عن نبيه أيوب عليه السلام-: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ .. {الأنبياء:83-84}.

أما قولك: "كيف أدعو حتى يستجاب لي بسرعة"، فلا نعلم دعاء مخصوصًا يستجاب لصاحبه بسرعة، غير أن من حصل شروط إجابة الدعاء، وانتفت عنه موانع الإجابة، وتقرب إلى الله تعالى بمختلف الطاعات فهو أدعى لأن يستجاب له بسرعة، لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الذي أخرجه البخاري، وفيه: وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه, ولئن استعاذني لأعيذنه. وقد سبق أن بينا بعض آداب الدعاء، وشروطه، وأسباب إجابته في الفتويين: 119608، 103161.

وأما بخصوص دعاء صلاة الحاجة الذي ذكرته السائلة: فإن كانت تقصد الدعاء الذي يقال بعد ركعتي الحاجة فليست هذه صيغته، وقد ذكرنا الصيغة الواردة فيه في الفتوى رقم: 1390.

وإن كانت تقصد توسل الأعمى بدعائه صلى الله عليه وسلم: فقد ذكرناه أيضًا في الفتوى رقم: 45167، وبينا أن حديثه صحيح، لكنه خاص بحياة النبي -صلى الله عليه وسلم- على الراجح لأدلة تراجع في الفتوى رقم: 17593. علمًا بأن الصيغة التي أوردت السائلة جزءًا منها رواها الطبراني في حديث طويل ضعفه الشيخ/ الألباني، وقال: إنه موقوف.

هذا؛ ونوصي السائلة بالصبر على ما أصابها، والرضا بما قدر عليها، مع الاجتهاد في الدعاء، وتحري أوقات إجابته.

وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 9803، والفتوى رقم: 35121.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني