الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى مسؤولية من ينشئ موقعا عن كل ما يعرض فيه

السؤال

جزاكم الله خيراً على الاستشارات هذه.
سؤال: ما الحكم الشرعي في المسألة التالية مع الأسانيد والأدلة والترجيح عند الاختلاف.
من أراد أن يعمل موقعا إلكترونيا مثل موقع اليوتيوب بالضبط؛ حيث يستطيع الناس فيه مشاركات فيديوهاتهم والاستفادة منه في التعليم والمعرفة، وهناك استخدامات محرمة مثل نشر المعازف والغناء.
السؤال هل صاحب الموقع لو كان مسلما يأثم على تلك الأغاني التي أنزلها أصحاب الحسابات في الموقع أم لا؟.
هل نعتبر عدم منعه لهذه المحرمات ضرورة لا تحرم عليه بسبب طبيعة الموقع؟!
علماً بأن طبيعة الموقع يحتم عدم منع هذه الأشياء مثل برامج التلفاز المصحوبة بالموسيقى التي أنزلها أصحابها في موقع يوتيوب؛ حيث يصعب على صاحب الموقع تتبع كل الفيديوهات ومحاسبتهم، أم أن صاحب الموقع لا يأثم بل يأثم كل من شارك بحرام يتحمل وزره ووزر من سمعها، أشبه هذه المسألة بالأقمار الصناعية، مثل النايل سات حيث كل شخص أو مؤسسة لها الحق في إنشاء قناة لها، وهذه القنوات تشمل النافع والضار المحرم، هل من أنشأ هذا القمر يتحمل أوزار المحرمات التي نُشرت؟! وإذا قلنا بهذا القول لعطلنا حياتنا ولمنعنا شيئا حلالا لنا المتمثل في القنوات الحلال.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمرء إنما يؤاخذ في حدود مسئوليته وقدرته، ولذلك تتفاوت المسئولية بالتفاوت في الولاية والقدرة، ومن ذلك تفاوت المسئولية في ما ذكره السائل، فمالك القمر الصناعي مسئول عنه بالكلية، فلا يجوز له أن يستضيف قناة تعرض المحرمات، وإن فعل كان شريكا في الإثم، وأما من استأجر مكانا في القمر لينشئ قناة خاصة به، فلا تتعدى مسئوليته حدود قناته وما يعرض فيها.
وكذلك الحال في من أنشأ موقعا إلكترونيا كاليوتيوب أو غيره، فمالك الموقع مسئول عن كل ما يعرض فيه، ومشارك في أجره أو وزره، لأنه مؤسسه، ويستطيع منع ما يراه أو يعلم به من المنكرات والمحرمات وحجبها عنه، بخلاف من أضاف ملفا في الموقع فإنه لا يسأل إلا عنه، ولا يستطيع منع ما يجده من محرمات.
ومن المعلوم أن الدين النصيحة، فلا يجوز للمسلم أن يعين أو يشارك في الإضرار بغيره وفتنته في دينه، والقاعدة أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وقد سبقت لنا فتوى في بيان هذه القاعدة برقم: 50387، فما يوصل إلى الحرام حرام ، وما لا يتم ترك الحرام إلا بتركه فتركه واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد قال الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2) وراجع للفائدة الفتويين التالية أرقامهما: 15930، 26979.

وعلى ذلك فإن كان مؤسس الموقع يعلم أو يغلب على ظنه باعتبار الواقع أن مستخدمي الموقع لن يقتصروا على ما هو مباح، وأنهم سوف ينشرون من خلاله المنكرات والمحرمات، وأنه لن يستطيع منعهم ولا التحكم في ما يعرضونه، فلا يجوز له إنشاؤه ابتداءً، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: إذا كانت هذه الأجهزة يتم لمستخدمها التوصل إلى أمور منكرة باطلة، تضر بالعقيدة الإسلامية، أو يتم من خلالها الاطلاع على الصور الفاتنة والأفلام الماجنة، والأخبار الساقطة، أو حصول المحادثات المريبة، أو الألعاب المحرمة، ولا يمكن لصاحب المحل أن يمنع هذه المنكرات، ولا أن يضبط تلك الأجهزة، فإنه والحال ما ذكر يحرم الاتجار بها؛ لأن ذلك من الإعانة على الإثم والمحرمات، والله جل وعلا قال في كتابه العزيز: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .اهـ. وراجع للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 270241، 268387، 124275، 146489، 121207، 59770. كما يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 132017، لمزيد من الإيضاح والتفصيل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني