الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من فضل الله أن يرفع الأدنى من الزوجين إلى الأعلى

السؤال

أود أن أسأل بعض الأسئلة:
الجنة تتكون من عدة جنات, فإذا دخل المسلم جنة منها فهل لا يرى المسلمين الموجودين في الجنة الأخرى؟ وعند دخول المسلم جنة الفردوس الأعلى، وزوجته تدخل جنة المأوى, فكيف سيعيشان مع بعضهما وهما متفرقان؟ ولكل شخص بيوته وقصوره في الجنة, فهل النساء سوف يعشن مع أزواجهن في بيوتهن، أم كل شخص يعيش في بيته؟، وكذلك هل النساء لا تكون لهن شهوة الجماع في الجنة, بدليل أن الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين بالحور العين, ولم يتحدث عن شيء للنساء؟ وإذا كان يوجد لها شهوة الجماع، فلها الحق في زوجها, وهي أحق بزوجها من الحور العين, ولقد قرأت في بعض المواقع أن مدة جماع الرجل للحور العين 70 سنة من شدة المتعة, فهل سوف تصبر الزوجة على زوجها طوال هذه المدة؟ وأليس لها الحق في زوجها، فهي التي صلت، وقامت الليل، وتعبت في الحياة الدنيا, فهي أحق بذلك من الحور العين؟ وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن من عظيم فضل الله تعالى أن المؤمن إذا دخل الجنة، فإن كانت زوجته صالحة فإنها تكون زوجته في الجنة، ويرفع الأدنى منزلة منهما إلى الأعلى منه، منة من الله تعالى وإحسانًا، ودليل هذا قول الله تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ {الرعد:23}، وقوله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ {الزخرف:70}.

وعن عمرو بن مرة قال: سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ {الطور:21}، قال: قال ابن عباس: المؤمن ترفع له ذريته ليقر الله -عز وجل- عينه، وإن كانوا دونه في العمل. رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (3 / 105)، وصححه المحقق.

وقال ابن كثير في تفسيره للآية الأولى: أي: يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء، والأهلين، والأبناء ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين؛ لتقر أعينهم بهم، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى؛ امتنانًا من الله، وإحسانًا من غير تنقيص للأعلى عن درجته، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ{الطور: 21}.

أما عن استمتاع الزوجة بزوجها: فقد دل عليه قوله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ {الزخرف:70}، وقوله تعالى: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ {يس: 55، 56}.

وروى الطبري عن أبي أمامة قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: يتناكح أهل الجنة؟ قال: نعم، بذكر لا يمل، وشهوة لا تنقطع. دحمًا دحمًا. وفي رواية: لكن لا مني، ولا منية. وفي رواية: هل ينكح أهل الجنة؟ قال: نعم، ويأكلون ويشربون.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في تفسير آية الزخرف: قوله تعالى في هذه الآية: (وأزواجكم) فيه لعلماء التفسير وجهان:

أحدهما: أن المراد بأزواجهم: نظراؤهم، وأشباههم، في الطاعة، وتقوى الله، واقتصر على هذا القول: ابن كثير.

والثاني: أن المراد بأزواجهم: نساؤهم في الجنة؛ لأن هذا الأخير أبلغ في التنعم، والتلذذ، من الأول.

ولذا يكثر في القرآن ذكر إكرام أهل الجنة، بكونهم مع نسائهم، دون الامتنان عليهم بكونهم مع نظرائهم، وأشباههم في الطاعة، قال تعالى: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) {يس: 55، 56}. اهـ.

وأما عن حال صبر زوجته عنه إن كان له أزواج من الحور العين: فلم نطلع بعد البحث على شيء فيها، ولكن من المؤكد أن الجنة ليس فيها ما يقلق، ولا غيرة فيها، ولا تحاسد، ولا حزن، ولا أي ألم أبدًا، حتى تتم السعادة لأهل الجنة، كما قال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ {الحجر:47-48}، وقال على لسان أهل الجنة: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ {فاطر: 34، 35}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني