الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم قيام المركز الإسلامي بالخلع بين الزوجين لرغبة الزوجة إذا رفض الزوج

السؤال

نحن جهة إسلامية عرفية تختص بشؤون الأسرة المسلمة في بلد أوروبي، نجري عقود الزواج، ونحاول الإصلاح عند الخلافات الزوجية، ونقوم بالفسخ عند تعذر الحلول الأخرى، ولدينا الآن حالة نريد أن نستفتيكم في شأنها، وإليكم تفاصيلها باختصار حسب ما ظهر لنا: امرأة تركت بيت زوجها، ورفضت نهائيا الرجوع إليه، وتقول إنها تبغضه، وتجد من نفسها تجاهه نفرة شديدة إلى درجة أنها تدعي أنها لا تطيق البقاء معه بحال من الأحوال، وأن هناك بعض الأسباب الأخرى لا تريد أن تذكرها، وتريد إنهاء العلاقة الزوجية بأية طريقة، وزوجها يرفض أن يخالعها أو يطلقها إلا إذا رجعت إلى بيت الزوجية، ثم هو بعد ذلك يطلقها أو يخالعها على حد قوله، وهو فيما يظهر لنا يعلم أن بقاء الحياة الزوجية أمر يصعب تحققه، وكلٌ من الطرفين مصر على موقفه، فهي ترفض الرجوع نهائيا ولو لأيام معدودة لمجرد إيقاع الطلاق من قبل زوجها، وذلك مع أننا حاولنا إقناعها لكنها تقول إنها لا تستطيع ذلك، وأيضا زوجها يرفض إيقاع الطلاق أو القبول بالخلع إلا إذا رجعت إلى بيت الزوجية مرة ثانية، ثم هو يقرر ما يراه مناسبا على حد قوله، وقد تعذر التوفيق بينهما، وللعلم فقد وعدها قبل ذلك بالخلع أكثر من مرة ثم يتراجع عن ذلك. وللعلم: فالرجل المذكور أكبر من زوجته بعشرين سنة، وليس بينهما أولاد، ولديه زوجة غيرها، فهذه تفاصيل القضية باختصار، ولدينا سؤالان:
الأول: هل يجب على المرأة الرجوع إلى بيت الزوجية رغم أن الظاهر عدم الفائدة من ذلك، إذ إن الرجوع لو حصل فسيكون من أجل إيقاع الطلاق أو الخلع فقط، لأن الزوجة ترفض الرجوع للحياة الزوجية معه، وهو يعلم ذلك؟ وهل تأثم ببقائها خارج البيت؟.
الثاني: ما موقفنا؟ وهل يجوز لنا أن نفسخ إن استمر الأمر على ذلك؟ ومتى؟ وبم تنصحوننا؟.
وجزاكم الله خيرا، ونفع الله بعلمكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها بغير إذنه إلا لعذر كحاجة لا تحصل بغير الخروج أو ضرر يلحقها من البقاء في البيت، وراجع الفتوى رقم: 95195.
أمّا مجرد بغض الزوج والنفور منه، فلا يبيح للمرأة ترك بيته والامتناع من الرجوع إليه، وانظر الفتوى رقم: 205792.

وعليه، فإن كانت المرأة ممتنعة من الرجوع إلى بيت زوجها لمجرد بغضها إياه ونفورها منه، فلا حقّ لها في ذلك، وهي ناشز بهذا الامتناع آثمة به، أمّا إن كان لها عذر كخوفها على نفسها من إيذاء الزوج لها بالضرب المبرّح مثلاً فهي معذورة وليست ناشزاً، فهذا ما يتعلّق بالزوجة.

أمّا الزوج: فينبغي عليه أن يجيب المرأة إلى الخلع مادامت مبغضة له، ولا ينبغي أن يمتنع من مخالعتها حتى لو امتنعت هي من الرجوع لبيته، لعدم ظهور مصلحة في إمساكها على هذه الحال.
واعلم أنّ الأصل في الخلع أن يتمّ برضا الزوجين، لكن في حال تضرر الزوجة من البقاء مع زوجها، وامتناع الزوج من مخالعتها، فالراجح عندنا أنه يجوز للقاضي أن يحكم بالخلع، ولو لم يرض الزوج، كما سبق بيان ذلك في الفتويين رقم: 105875، ورقم: 126259.

وفي البلاد غير الإسلامية التي ليس بها محاكم شرعية، فإن المراكز الإسلامية تقوم مقام المحكمة الشرعية، جاء في بيان لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا: المحور السابع: مدى الاعتداد بالطلاق المدني الذي تجريه المحاكم خارج ديار الإسلام: بين القرار أنه إذا طلق الرجل زوجته طلاقا شرعيا، فلا حرج في توثيقه أمام المحاكم الوضعية، أما إذا تنازع الزوجان حول الطلاق، فإن المراكز الإسلامية تقوم مقام القضاء الشرعي عند انعدامه بعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة، وأن اللجوء إلى القضاء الوضعي لإنهاء الزواج من الناحية القانونية لا يترتب عليه وحده إنهاء الزواج من الناحية الشرعية، فإذا حصلت المرأة على الطلاق المدني، فإنها تتوجه به إلى المراكز الإسلامية، وذلك على يد المؤهلين في هذه القضايا من أهل العلم لإتمام الأمر من الناحية الشرعية، ولا وجه للاحتجاج بالضرورة في هذه الحالة لتوافر المراكز الإسلامية وسهولة الرجوع إليها في مختلف المناطق. انتهى.

وعليه، فالظاهر ـ والله أعلم ـ أنه إن تبين لكم تضرر الزوجة من البقاء مع زوجها، وامتنع الزوج من مخالعتها، فلكم في هذه الحال أن تحكموا بالخلع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني