الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تمني الموت لمن وثق بعمله

السؤال

ما معنى جواز تمني الموت لمن وثق بعمله؟ وهل يعتبر هذا من الإعجاب بالعمل أم ماذا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأصل أنه لا يجوز للمسلم أن يتمنى الموت، أو يدعو به، إما محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا، وأما مسيئًا فلعله أن يستعتب، إلا أن يشترط أن يكون ذلك خيرًا له عند الله عز وجل، فيقول: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي. كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم.

والحالات التي يجوز فيها تمني الموت ـ كما قال العلماء ـ هي خوف الفتنة في الدين، وعند حضور أسباب الشهادة، ومَن وثق بعمله شوقًا إلى لقاء الله عز وجل، ففي مثل هذه الحالات يجوز تمني الموت، قال ابن رجب في لطائف المعارف عند ذكر الحالات التي يجوز فيها تمني الموت: ومنها: تمنيه خوف الفتنة في الدين، فيجوز حينئذ، وقد تمناه ودعا به خشية فتنة الدين خلق من الصحابة، وأئمة الإسلام، وفي حديث المنام: وإذا أردت بقوم فتنة، فاقبضني إليك غير مفتون.

ومنها: تمني الموت عند حضور أسباب الشهادة اغتنامًا لحضورها، فيجوز ذلك أيضًا، وسؤال الصحابة الشهادة، وتعرضهم لها عند حضور الجهاد كثير مشهور، وكذلك سؤال معاذ لنفسه وأهل بيته الطاعون لما وقع بالشام.

ومنها: تمني الموت لمن وثق بعمله شوقًا إلى لقاء الله عز وجل، فهذا يجوز أيضًا، وقد فعله كثير من السلف، قال أبو الدرداء: أحب الموت اشتياقًا إلى ربي ـ وقال أبو عنبسة الخولاني: كان من قبلكم لقاء الله أحب إليه من الشهد. انتهى.

أما مجرد تمني الموت ثقة بعمله واعتمادا عليه من دون الشوق إلى لقاء الله عز وجل ورحمته، فلا ينبغي؛ لأنه قد يؤدي إلى العجب بالعمل، والركون إليه، وقد حذر أهل العلم من الثقة بالعمل، والاعتماد عليه، والالتفات إليه، قال ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين: ينبغي ترك الإعجاب بالعمل، والالتفات والركون إليه، وأن يعول على كرم اللَّه تعالى، ورحمته، والاعتراف بمنَّته، كما قال صلى اللَّه عليه وسلم: لن ينجي أحدًا منكم عملُه.. والحديث متفق عليه، وقال ابن هبيرة في الإفصاح: وفيه التحذير من الإعجاب بالعمل، كما هو أيضًا تحذير من القنوط من الرحمة.

وأما ما رواه الإمام أحمد في المسند مرفوعًا: لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ، وَلَا يَدْعُو بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ وَثِقَ بِعَمَلِهِ ـ فَإِنَّهُ إِنْ مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلَّا خَيْرًا. فقد قال عنه الأرناؤوط في تحقيق المسند: حديث صحيح، دون قوله: إلا أن يكون قد وثق بعمله ـ فإنها زيادة منكرة.

والحاصل؛ أنه لا ينبغي للمسلم تمني الموت لمجرد الثقة بعمله؛ لما ينطوي عليه ذلك من المحاذير، كالإعجاب بالعمل، والاعتماد عليه، وإنما يشرع عند خوف الفتنة في الدين، وعند حضور أسباب الشهادة، والشوق إلى لقاء الله عز وجل وما أعد لعباده المتقين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني